وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية دور كبير في هذا المجال، إذ لا رقي بدون استثمار الموارد، ولا فائدة في هذا الاستثمار إلا إذا كان لصالح الإنسان الذي هو الهدف الأهم من عملية الاستثمار في المجال الاقتصادي.
ولقد بينت النصوص الشرعية أن الإنسان مستخلف في الأرض ومستعمر فيها، وأنه مطوق بأمانة التكليف، وأن السماوات والأرض سُخرت له، وأنه مطالب بالعمل ومسؤول عن عمله في نطاق ما سن الشرع من ضوابط وحدود وأحكام، وأن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث، وأنه تعالى يأمر بالإنفاق ويأمر بالزكاة والصدقات ويحرم كنز المال والربا وأكل أموال الناس بالباطل، ويأمر بكتابة الدين، ويأمر بإنظار المدين المعسر، ويحرم مطل المدين الغني الموسر، ويأمر بالصدق والوفاء بالعهود والعقود، ويحرم الكذب والخداع والخلابة وكتمان العيوب عند الحاجة إلى البيان.
وعملية الاستثمار في الإسلام وثيقة الصلة بهذه الأحكام والتوجيهات الربانية العظيمة التي قامت الحضارة الإسلامية على أسسها، وجعلت من الأمة الإسلامية أمة التكافل والتضامن والمحبة والتعاون، وضمنت أفضل الشروط لنجاح تنمية إسلامية اجتماعية سليمة، تمتاز عن طبائع التنمية التي سادت عصور الجاهلية، وتتفوق بعمق مضامينها وأحكامها على ما جاءت به المذاهب المعاصرة من تصورات يجنح بعضها إلى حرمان الأفراد من وسائل العيش، وجعل ذلك حكراً للدولة الجماعية المستبدة، ويجنح البعض الآخر إلى المبالغة في الأنانية الرأسمالية الفردية وإهدار حقوق المجتمع والسعي نحو الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الدولية من أجل السيطرة على الأموال والأسواق والأقطار.
وهذه المذاهب البشرية لا تميز بين طيب وخبيث، وحلال وحرام، ولا تنطلق من منطلق الإيمان والإسلام والإحسان، ولا من أساس وحدة البشرية ووحدة الكون والمصير، ولا من أجل مسؤولية الإنسان أمام الخالق الكريم العظيم، ولا من قواعد مراعاة أحكام الأخلاق ومقتضيات الضمير، لكنها مع ذلك استفادت من تقنيات التقدم، واكتسبت مهارات التفوق العسكري والاقتصادي، والأمة الإسلامية ملزمة بحكم تحملها للدعوة ومسؤولياتها عن الحياة أن تواصل السعي في درب النماء والاستثمار على هدي من أحكام الإسلام، ووفق قوانين النمو والاستثمار الطبيعية والشرعية والعملية.
والاستثمار في مجال الوقف هو من المجالات التي تظهر مدى حرص الإسلام على فعل الخير وتثمير الأموال وتوزيع تلك الثمار على المستحقين مع الحرص على بقاء الأصل المثمر مادة للعطاء والإمداد المستمر والنفع المستقر.
والشريعة تراعي في هذا تطلعات الإنسان، سواء كان متبرعاً واقفاً، أو متبرعاً عليه موقوفاً على مصالحه، كما تراعي الحاجة إلى نمو المال ووفائه بأغراض الوقف والوظيفة الاجتماعية للمال، فالمال أداة لتحقيق النمو ووسيلة النهوض، لكنه ليس منعزلاً عن حاجات ومصالح المتمولين، ولا منغلقاً على مطالب التطور والتجدد في الأغراض والوسائل، وهذا هو الغرض من بحث الموضوع.