للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة الوقف وحكمه:

الوقف والتحبيس والتسبيل لغة بمعنى واحد، يقال: وقفت كذا بمعنى حبسته، ويقال: أوقفته في لغة تميمية وهي رديئة، وهي الجارية على الألسن، وقد عرف بعدة تعاريف، منها قول مؤلف (مغني المحتاج) : (حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود) (١) .

وعرفه صاحب (الفتح المعين) بقوله: هو لغة: الحبس، وشرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة، وعرفه في (المنتهى) بقوله: (تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرفه وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى) (٢) ، وعرفه في اللباب بقوله: "حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأييد" (٣) ، وحكمه الجواز خلافاً لأبي حنيفة الذي قال بالمنع، ورجع عن ذلك صاحبه أبو يوسف.

عندما ناظره الإمام مالك مستدلاً بأحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وأنكر المتأخرون من الحنفية منع إمامهم، ذاهبين إلى أنه جائز غير لازم (٤) ، وهو من التبرعات، ولم يكن معروفاً في الجاهلية، واستنبطه الرسول صلى الله عليه وسلم لمصالح لا توجد في الصدقات، لأن الإنسان قد ينفق كثيراً من المال على جهة البر والإحسان فيفنى، ويحتاج الفقراء، ويبقى آخرون منهم من أجيال بعدهم محرومين، فلم يكن أنفع ولا أحسن ولا أوفق لعامتهم من حبس العين والتصرف بالمنفعة، وهو معنى الوقف.

وجمهور العلماء على مشروعية الوقف ولزومه، قال القرطبي: رادُّ الوقف مخالف للإجماع، فلا يلتفت إليه، واستدل العلماء على هذه المشروعية واللزوم بأدلة من السنة، منها الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) .


(١) مغنى المحتاج: ٢/٣٧٦.
(٢) شرح منتهى الإرادات، ص ٤٨٩.
(٣) مواهب الجليل: ٦/١٨.
(٤) المبسوط: ١٢/٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>