للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشترط الحنفية لجواز الوقف شروطاً (١) بعضها يرجع إلى الواقف وبعضها يرجع إلى نفس الوقف وبعضها يرجع إلى الموقوف، أما الذي يرجع إلى الواقف فأنواع، منها العقل والبلوغ والحرية، وأن يخرجه الواقف من يده، وأن يجعل آخره بجهة لا تنقطع عند أبي حنيفة، وليس هذا بشرط عند محمد وأما الذي يرجع إلى نفس الوقف فهو التأبيد، وأما الذي يرجع إلى نفس الموقوف فأنواع منها: أن يكون مما لا ينقل ولا يحول كالعقار ونحوه، فلا يجوز وقف المنقول إلا إذا كان تابعاً للعقار كضيعة ببقرها، لكن إذا كان شيئاً جرت العادة بوقفه فيجوز خلافاً للقياس، وعملاً بالاستحسان مثل وقف القدوم لحفر القبور والمرجل لتسخين الماء، ومنها: أن يكون الموقوف مقسوماً عند محمد، وقال أبو يوسف ليس هذا بشرط.

والحنابلة يشترطون لصحة الوقف ما يأتي: "شرط الواقف صحة عبارته، وأهلية التبرع، والموقوف دوام الانتفاع به، لا مطعوم وريحان، ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع".

وإذا كان الحوز شرط صحة في التحبيس عند المالكية، فالحنفية الذين يقولون بجوازه لا بلزومه ويشترطون لصحته حكم الحاكم، أو إضافته إلى ما بعد الموت، وشرط محمد التسليم عكس أبي يوسف الذي يقول بلزومه عند التلفظ به.

وجمهور الفقهاء على منع التحبيس على جهة معصية كالكنائس.

ويفهم مما تقدم أن الوقف عبارة عن حبس العين والتصدق بالمنفعة على من تصح الصدقة عليه (إنسان أو جهة) بصفة مستمرة، وهو من أعمال البر والإحسان التي رغبت الشريعة فيها وجرى عليها العمل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أنفع القربات وأجلها لدوام النفع وشمول المصلحة وبقاء الأثر، وهو يعم العقار والمنقول، ولا يهم الخلاف في صحة وقف المنقول ما دام المانعون بالقياس أخذوا بقاعدتي الاستحسان والعرف في الجواز، ولا يلتفت إلى مذهب ابن حزم الظاهري الذي شذ في إبطال القياس في الوقف زاعماً أنه إنما يصح الوقف في الأصول من الدور والأراضي بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها والإرجاء وفي المصاحف والدفاتر والعبيد والسلاح والخيل في سبيل الله عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك "ولا يجوز في شيء غير ما ذكرناه أصلاً" (٢) ، فقد حجر هذا الإمام واسعاً، واستعمل ما روى من السنة أصلاً غير قابل للقياس، رغم قصد الشارع إلى تعميم البر والنفع بالصدقات وشمول البر والإحسان ما يصح بكل وسيلة نافعة وقربة صالحة.

فلا مانع من تحبيس السفن والطائرات والأقمار الصناعية والغواصات، ولا مانع من تحبيس أنواع المنقول كالدراهم والدنانير وغير ذلك كما سيأتي.


(١) بدائع الصنائع ٦/٢١٩-٢٢١
(٢) المحلى: ٩/١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>