للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسائل الاستثمار:

خلط إيرادات أموال الوقف:

أموال الوقف مخصصة لفعل الخير، والوقف إما خاص جعل قصد نفع خاص لشخص أو جهة قائمة، وإما عام جُعل لنفع العالم من غير اختصاص بأحد، وإن كان المال أصلاً رصد لهدف معين كما هو الشأن في الوقف على المساجد، ومن هنا حق التساؤل عن حكم خلط أموال الوقف العام لفائدة الأوقاف جميعها، بحيث يغطي الوفر في ناحية ما قد يقع من خصاص في ناحية ثانية.

فأما الوقف الخاص فهو على ما شرط الواقف، ولذلك يصرف وفره في مصالحه وقد يعود إلى الورثة حسب الشرط.

وأما الوقف العام فإن الفقه يجيز انتفاع الأوقاف بعضها من بعض لأنه كله لله.

بذلك أفتى فقهاء مذهب مالك في المغرب والأندلس حسبما في نوازل (المعيار) وغيره، وقد نقل العلمي في نوازله (١) فتاوى بهذا الشأن للبرزلي وعبد الغفور وابن مزين وابن الماجشون في (العتبية) إذ قال: الأحباس كلها إذا كانت لله بعضها من بعض، وذلك مقتضى فتوى أبي محمد العبدوسي، ونقل عن أبي مهدي عيسى الماواسي قوله في جواب له: "قال أصبغ وابن الماجشون: إن ما يقصد به وجه الله أن ينتفع ببعضه في بعض، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت، فبنى قوم عليها مسجداً لم أر به بأساً، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين أن هذا القول أرجح في النظر لأن استنفاد الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس وأنمى لأجره" (٢) ومثل هذا فتوى لأبي محمد العبدوسي من المعيار، وقد قال في الجواب عن جمع أحباس فاس: "يجوز جمعها وجعلها نقطة واحدة وشيئاً واحداً لا تعدد فيه وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة ... " (٣) .

وقد ذهب الفقه الحنبلي إلى جواز انتفاع الوقف بعضه من بعض، قال في منتهى الإرادات وشرحه: "يصح بيع بعضه أي الموقوف الخراب لإصلاح باقيه، لأنه حيث جاز بيع الكل فالبعض أولى إن اتحد الواقف والجهة، فإن اختلفا أو أحدهما لم يجز إن كان الوقف عينين كدارين خربتا فتباع إحداهما لتعمير الأخرى ... "قالا: "وأفتى الشيخ عبادة من أيمة أصحابنا بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته، قال المنقح: وعليه العمل، وفي الإنصاف: وهو قوي بل عمل الناس عليه، لكن قال شيخنا يعني أبي قندس في حواشي الفروع: إن كلامه في الفروع أظهر، وقال الحارثي: وما عدا المسجد من الأوقاف يباع بعضه لإصلاح ما بقي" (٤) وقد صرح ابن قدامة بالجواز (٥) .

والقول بجواز انتفاع الأوقاف بعضها من بعض فيه منفعة للأوقاف جميعها، إذ تجد من وفر مالها ما يضمن صيانتها وإصلاحها وبناء ما تهدم منها، وهذا مشاهد في أوقاف المغرب الذي أخذ فقهاؤه بقاعدة انتفاع الأحباس بعضها من بعض منذ عصور.


(١) نوازل العلمي: ٢/٣١٣ – ٣١٤.
(٢) نوازل العلمي: ٢/٣٤٤ – ٣٤٥.
(٣) المصدر السابق: ٢/٣٥١.
(٤) شرح منتهى الإرادات، ص ٥١٥.
(٥) المغني: ٦/٢٥٠ – ٢٥٣، مسألة ٤٤١٠ – ٤٤١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>