يعني مبدأ التوقيت جعل الوقف مؤقتاً بمدة تطول أو تقصر، كأسبوع أو شهر أو سنة، أو أعوام، أو حياة الواقف، يخصص ريع الوقف فيها لما جعل له، وعند انتهاء المدة يعود الريع إلى ملك الواقف أو ورثته، وخلاف التوقيت: التأبيد الذي يعني خروج الموقوف عن ملك الواقف خروجاً مؤبداً.
والتوقيت قد يصلح غرضاً شرعياً للمحبسين، فقد لا تسخو أنفسهم بخروج ملكية الموقوف عنه على وجه التأبيد، وقد يحسب لطوارئ الزمن حسابها، فيفكر في تسبيل الثمرة مدة مؤقتة، يعود بعدها الملك كاملاً إليه، وقد يكون غرضه انتفاع شخص ما دام هذا حياً، فإذا مات رجع الوقف إليه، والتوقيت يصلح حافزاً على الإقبال على الوقف وتوسيع مداخيله وتعزيز عمل مؤسسته، لذلك يحسن الاجتهاد في هذا الباب بعد النظر في مذاهب الفقه لاختيار الأوفق والأنسب وعدم اعتماد التعريفات الجاهزة التي تساق للتقريب والتي لا تتفق مع مذاهب الفقهاء أنفسهم.
مثال هذا مذهب الإمام مالك الذي عرف بعض فقهائه الوقف أو الحبس بأنه:"حبس عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد"(١) ، والمذهب يقر الحبس المؤبد والحبس المؤقت، وضابط ذلك ألفاظ الواقف والعرف، فلفظ وقفت مطلقاً يفيد التأبيد، قال ابن عبد السلام: هي أصرح الألفاظ بغير ضميمة، وعزاه في (التوضيح) لعبد الوهاب وغيره من العراقيين وهو قول صاحب المقدمات وأبي زرقون، وعبر عنه خليل إذ قال:"بحبست ووقفت أو تصدقت إن قارنه قيد أو جهة لا تنقطع أو لمجهول وإن حصر" وهو قو لابن الحاجب.
لكن ابن الحاجب وغيره من فقهاء المذهب يشترطون القرينة المفيدة للتأبيد، وذلك لرجوع الشرط في قول خليل للألفاظ الثلاثة: حبست وقفت وتصدقت، قال الحطاب: "قال ابن الحاجب: وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل على التأبيد من قيد أو جهة لا تنقطع تأبد، وإلا فروايتان، قال ابن عبد السلام يعني أن لفظتي: حبست وتصدقت لا يدلان على التأبيد بمجردهما، بل لابد مع ذلك من ضميمة قيد في الكلام، كقوله: حبس لا يباع ولا يوهب وشبه ذلك من الألفاظ، أو الجمع بين اللفظتين معاً كماوقع في بعض الروايات: إذا قال: حبساً صدقة، أو ذكر لفظ التأبيد أو ضميمة جهة في الحبس لا تنقطع، ومراده عدم انحصار من يصرف إليه الحبس بأشخاص معينين كقوله: حبس على المساكين أو على المجاهدين أو طلبة العلم، فإن انعدمت هذه القيود والجهات وشبهها ففي التأبيد حينئذٍ روايتان، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يختلف في التأبيد إذا وجدت هذه القيود أو الجهات وذلك قريب مما قال في (المدونة) : إذا قال: حبس صدقة أو حبس لا يباع ولا يوهب، أن قول مالك لم يختلف في هذا أنه صدقة محرمة ترجع بمراجع الأحباس ولا ترجع إلى المحبس ملكاً، ومع ذلك فابن عبد الحكم حكى عن مالك أنها ترجع إليه ملكاً بعد موت المحبس عليه، وإن قال: حبس صدقة، وكذا قال ابن وهب أنها ترجع ملكاً إذا حبس على معينين، ولو قال لا يباع ولا يوهب، نعم، يعز وجود الخلاف بل ينتفي إذا اقترن به شيء من الجهات غير المحصورة، والمرجع في ذلك كله إلى مدلول العرف. انتهى.