وتردد خليل في باب الوقف في الطعام حيث قال:"وفي وقف كطعام تردد" وقد بين الشارح أن وقف الطعام إذا كان للسلف كوقف العين ليس محل تردد حسب مصطلح المؤلف "لأن مذهب المدونة وغيرها الجواز، والقول لابن رشد بالكراهة ضعيف، وأضعف منه قول ابن شاس إن حمل على ظاهره يعني المنع والله أعلم"(١) .
وهذا واضح في جواز وقف ما يحول ويزول كالطعام والعين وما في حكمها مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه، وبهذا ندرك أن المصلحة أثرت في الانتقال عن الأصل المعروف في أن الوقف إنما يكون عقاراً منقولاً لا يتضمن الانتفاع به استهلاك عينه عند الجمهور إلا إن أصبح الوقف أموالاً سائلة تتناولها الأيدي وتتداولها الذمم.
الاستبدال في المذهب الحنفي:
نقل ابن عابدين في ما لفظه: في فتاوى قاري الهداية: سئل عن استبدال الوقف ما صورته هل هو قول أبي حنيفة وأصحابه؟
أجاب: الاستبدال إذا تعين بأن كان الموقوف عليه لا ينتفع فيه وثمة من يرغب فيه ويعطي بدله أرضاً أو داراً لها ريع يعود نفعه على جهة الوقف فالاستبدال في هذه الصورة قول أبي يسوف ومحمد رحمهما الله، وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى بدله أكثر ريعاً منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند القاضي أبي يوسف والعمل عليه وإلا فلا يجوز. اهـ.
قال العلامة صاحب النهر في ذيل الفتوى المذكورة ما نصه: ورأيت بعض الموالي يميل إلى هذه ويعتمدها وأن تخسر بأن المستبدل إذا كان قاضي الجهة فالنفس به مطمئنة فلا يخشى الضياع معه ولو بالدراهم والدنانير والله الموفق. اهـ. وقد أفتى بجواز الاستبدال بالنقود إذا كان فيه مصلحة للوقف جماعة من العلماء والأعلام منهم العلامة الخير الرملي وتلميذه الفهامة السيد عبد الرحيم اللطفي والمحقق الشيخ إسماعيل الحائك وغيرهم من العلماء روح الله تعالى أرواحهم بدار السلام والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) ما بين القوسين من حاشية البناني على الزرقاني: ٧/٧٦.