للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي جواب آخر عن الدراهم البدل نقلاً عن فتاوى اللطفي "الجواب: تلك الدراهم بدل الموقوف المستبدل يشتري بها ما يكون وقفاً مكانه وقد تصرف في عمارة الوقف الضرورية بإذن قاض يملك ذلك ويستوفي من غلة الوقف بعد العمارة ليشتري بها ما يكون وقفاً كالأول، لا تكون ملكاً للموقوف عليهم ولا إرثاً، ومسألة الاستبدال بالدراهم معلومة وتحتاج إلى ديانة.. إلى آخره.. علق عليه ابن عابدين بقوله: فمقتضاه جواز صرف البدل في عمارة الوقف فتأمل، والاستبدال والبيع واحد من حيث المآل، والله أعلم (١) .

من هذه النصوص التي تختصر مذهب أبي حنيفة في مسألة الاستبدال ندرك أهمية المصلحة التي لم تقتصر على الاستبدال في حالة خراب الوقف بل تجاوزت ذلك إلى الاستبدال القائم على المصلحة الراجحة والجدوى ثم وصلت إلى الاستبدال بالدراهم الذي هو بيع يحول الموقوف إلى أموال سائلة تصرف في مصالح الوقف إلا أن الأمر يحتاج إلى ديانة حتى لا يكون ذريعة لشطار النظار.

الاستبدال في مذهب مالك:

ويسمى بالمعاوضة، وأصل مذهب مالك أن العقار الموقوف لا تجوز فيه المعاوضة ولو كان خرباً، وإنما يجوز ذلك في المنقولات التي لم يعد فيها كبير منفعة، فقد قال مالك في (الموازية) وغيرها عن حائط فيه نخل قد حبست بمائها فغلبت عليها الرمال حتى أبطلت، وفي مائها فضل: لا يشاع شيء من ذلك وليدعه بحاله ولو غلبت عليها الرمال، وروى ابن القاسم عن مالك: لا تباع الدار المحبسة وإن خربت وكانت عرصة (٢) .

وإنما أجاز المعاوضة في ثلاثة مواضع يباع فيها الحبس: لتوسعة الطريق العام أو لتوسعة المسجد الجامع الذي ضاق بأهله أو لتوسعة المقبرة – يمكن أن نطلق عليها المعاوضة (للمصالح العامة) كما سماها أبو زهرة في كتابه (٣) .

إلا أن علماء المذهب عملوا بقول شيخ مالك ربيعة بن أبي عبد الرحمن حيث روى عنه ابن وهب أن العقار الخرب يباع ليشترى به عقار غير خرب، قاله ابن يونس. وتوسع المتأخرون في ذلك وجرى عملهم ببيع ما لا ينتفع به ولو كان عقاراً. قال الفلالي في نظمه للعمل المطلق.

وما من الحبس لا ينتفع به ففيه البيع ليس يمنع

وبالمعاوضة فيه عملوا على شروط عرفت لا تجهل

كون العقار خرباً وليس في غلته ما بصلاحه يفي

وفقد من يصلحه تطوعاً واليأس من حالته أن ترجعا

وعزى ذلك في شرحه إلى القاضي المكناسي في مجالسه عازياً ذلك إلى الفقيه سيدي عيسى بن علال وقال في جوابه: "يباع ويعوض بثمنه ما هو أغبط للمحبس، قلت وبفتياه جرى العمل".

وذكر هذه المسألة صاحب (المعيار) وذكر جريان العمل بالبيع عن سيدي عيسى بن علال إلى أن قال: والمسألة منصوصة في (طرر) ابن عات وحكي عن (الواضحة) والذي في الطرر نقله من كتاب (الاستغناء) وذكر بعد ذلك عن المعيار نقله عن سيدي عبد الله العبدوسي جريان العمل بالمعاوضة في الحبس بالشروط المذكورة في النظم (٤) .


(١) العقود الدرية، ص ١١٥.
(٢) الباجي، المنتقى: ٦/١٣١.
(٣) الوقف، ص ١٥٤ – ١٥٥.
(٤) شرح السجلماسي للعمل المطلق: ٢/٨٠ – ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>