للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-صرف فائض الوقف في أوجه المصالح الأخرى:

في هذه المسألة يرى أكثر العلماء رصد الوفر والغلة لمصلحة ذلك الوقف دون غيرها، خلافاً لبعضهم. قال ابن تيمية: إن الواقف لو لم يشترط فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبههما مثل صرفه في مساجد أخرى وفي فقراء الجيران ونحو ذلك، واستدل بما روي عن علي رضي الله عنه "أنه حض الناس على مكاتب يجمعون له ففضلت فضلة فأمر بصرفها في المكاتبين، والسبب فيه أنه إذا تعذر المعين صار الصرف إلى نوعه، ولهذا كان الصحيح في الوقف هذا القول، وأن يتصدق بما فضل من كسوته كما كان عمر بن الخطاب يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج" (١) .

وقال في موضع آخر: بل إذا صار مسجداً وكان بحيث لا يصلي فيه أحد جاز أن ينقل إلى مسجد ينتفع به، بل إذا جاز أن يباع ويصرف ثمنه في مسجد آخر فيجوز أن يعمر عمارة ينتفع بها لمسجد آخر (٢) .

وممن قال باستعمال وفر الوقف في غيره من أوجه البر وبصرف الأموال المرصودة لوجه من أوجه البر في غيره من الوجوه إذا لاحت مصلحة في ذلك: أبو عبد الله القوري حين سئل عن مسألة مفادها أن إمام الجامع الأعظم كان يأخذ راتبه من جزية اليهود شأنه شأن من قبله من الأئمة، ثم اتفق في اليهود ما اتفق فانقطع المرتب بسبب ذلك، فهل يجري المرتب من وفر الأحباس الذي يفضل عن جميع مصالحها وقومتها ومن تعلق بها أم لا؟

فأجاب بما مؤداه: إن المسألة ذات خلاف في القديم والحديث وإن الذي به الفتيا إباحة ذلك وجوازه وتسويغه وحليته لآخذه، وهذا مروي عن ابن القاسم، رواه عنه ابن حبيب عن أصبغ وبه قال عبد الملك بن الماجشون وأصبغ وأن ما قصد به وجه الله يجوز أن ينتفع ببعضه في بعض إن كانت لذلك الحبس غلة واسعة ووفر بين كثير يؤمن من احتياج الحبس إليه حالاً ومآلاً، وبالجواز أفتى ابن رشد رضي الله عنه برم مسجد من وفر مسجد غيره، ولهذا ذهب الأندلسيون خلاف مذهب القرويين وبه قال ابن القاسم والأصح الجواز وهو الأظهر في النظر والقياس، وذلك إن منعنا الحبس وحرمنا المحبس من الانتفاع الذي حبس من أجله وعرضنا تلك الفضلات للضياع لأن إنفاق الأوفار في سبيل كمسألتنا أنفع للمحبس وأنمى لأجره وأكثر لثوابه (٣) .


(١) ٣١/١٨.
(٢) ٣١/٦.
(٣) المعيار: ٧/١٨٧؛ وقد نقل الرهوني في حاشيته هذا الكلام: ٧/١٥٠ – ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>