للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في المنقول فيجوز استبداله لأن منع الاستبدال فيه قد يؤدي إلى إتلافه وبينوا أن العقار يرجى الانتفاع منه ولو مستقبلاً بخلاف المنقول.. فهذا المذهب يفصل في المسألة ولكن الأصل عنده عدم جواز الاستبدال.

جـ-وذهب الحنبلية إلى جواز الاستبدال عندما تدعو الضرورة لذلك، فهو مذهب ينيط الأمر بالضرورة وهو أشمل من ربطه بالمصلحة العامة لأن المقصود هنا ضرورة متعلقة بالوقف نفسه (١) .

د-وذهب الحنفية إلى جواز الاستبدال في العقار والمنقول ولو لم يصل إلى درجة الضرورة (٢) ، إذا كان في ذلك مصلحة للوقف ولو لم تتعطل مصالح الوقف تعطلاً نهائياً تاماً، خلافاً لمذهب الحنبلية، مثل إذا كان الاستبدال بهدف الحصول على عين جديدة أكثر ريعاً من العين الأولى فتكون بذلك أنفع للموقوف عليه، فهذه الصورة يجيزها الحنفية ولكن لا تجيزها بقية المذاهب المشار إليها.

وقد استدل الذين قالوا بجواز الاستبدال –على الخلاف القائم بينهم- بما وقع من إجماع على فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: انقل المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل، وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يخالفوا فكان إجماعاً على جواز نقل الوقف وهو الاستبدال.

هذا بالإضافة إلى أن في الاستبدال من حيث المعقول استبقاء للوقف بمعناه بعد أن تعذر إبقاؤه بعينه.. فإذا تعذر تحصيل منفعة الوقف بالكلية بخرابه فإنه سيؤدي إلى تضييع غرض الواقف وفائدة الوقف، وبالاستبدال إعادة للوقف إلى أثره وثمرته المقصودة.. وإن التمسك بتأييد الوقف سيؤدي إلى أن تنقلب كثير من الأوقاف إلى خرائب، ومبان مهدمة، قال ابن قدامة: إن في الاستبدال أو البيع استبقاء الوقف بمعناه، وعند تعذر إبقائه بصورته وجب إبقاؤه بمعناه، وهو جريان لعطائه وثوابه، قال ابن عقيل: الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه، استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطيلها تضييع للغرض (٣) .

وأما الخوف من أن يضيع الاستبدال الأعيان الموقوفة، فهذا لا يعود لذاته إنما لسوء استخدامه واستغلال إجازته للاعتداء على الأوقاف والاستيلاء عليها.. وهذا يتطلب وضع الشروط والضوابط التي تصون الأوقاف من أن يعتدى عليها من هذا الطريق.


(١) المغني لابن قدامة: ٥/٦٣١.
(٢) حاشية ابن عابدين: ٣/٣٨٤.
(٣) المغني لابن قدامة: ٥/٦٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>