للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا يكون أي تفويت لهذه العين مخالفاً لغاية المحبس، وبالتالي فما دامت ذات العين قائمة هل يمكن إزالتها أو تفويتها؟ هذا لا يجوز عند جمهور علماء المذاهب، ومع ذلك فإنها لا تخلو من إشارات ولو غير مباشرة يمكن أن تستنبط منها الأحكام تجعل الحبس يستجيب للهدف الأسمى عند المحبس وهو استمرار إمكانية تنمية موارده مع بقاء عينه، المالكية يمنعون منعاً باتاً بيع العين المحبسة في الأصول خاصة، ويجيزون ذلك في المنقولات إذا كانت لا تفي بغاية المحبس وإلى ذلك أشار ابن عاصم بقوله:

ومن يبيع ما عليه حبسا يرد مطلقا ومع علم أسا

واستمر في القول إلى أن قال:

وغير أصل عادم النفع صرف ثمنه في مثله ثم وقف

واختلفوا في الملك المشترك بين الأشخاص إن أصيب أحدهم بفقر وأصبح لا شيء له هل يمكن أن تباع وتصرف عليه؟ أو تجعل في عقار آخر يمكن أن يدر عليه نفعاً أكثر من بقاء العقار المشاع الذي لا يدر عليه نفعاً؟ وإليه أشار ابن عاصم أيضاً قال:

وكل ما يشترط المحبس من سائغ شرعا عليه حبس

مثل التساوي والأخذ بالأسفل وبيع حظ من بفقر ابتلى

فالمالكية عندهم بيع العين الأصل غير جائز ولكنهم يمنحون الكاري حق ملكية الزينة التي أقامها على الأرض، فإذا اكترى داراً وخربت بسبب ماء أو تهدم فإنهم يجيزون له إصلاحها وبقاءه منتفعاً باستعمال عينها كراءً، وإن كان هذا الأمر أيضاً منعه بعضهم، وبما أن جميع الحالات التي تضمن استثمار سلامة أداء العين الموقوفة لغرض الواقف هو بقاء العين، فإن أكثريتهم لا تجيز استعمالها بأي طريقة من الطرق، والبحوث التي بين أيدينا تكلمت عن المواقف المرنة للحنبلية والمواقف التي أشار إليها كل الباحثين كانت قيمة جداً، ولكن تبقى أسئلة لا بد من طرحها في هذا الموضوع وهي: إذا بيع هذا المال فهل تركن النفس إلى سلامة ثمنه من التلاعب به؟ وإذا وضع في استثمار فهل هناك مؤسسات ستتقي الله في مال الأوقاف وتنميه تنمية تنفع الفقراء والمساكين وتجعله يبقى يخدم المصلحة التي وقف من أجلها؟ ثم أيضاً ما أشار إليه الآن الشيخ يوسف القرضاوي من أن أموال الأحباس درجت العامة على كرائها بثمن بخس تتعطل معه إمكانية صيانتها مما تدره من أموال، فهذا ينبغي للمجمع أن يشير إليه، وهذه العين التي ستباع؛ الذي اشتراها يريد من وراء شرائها ربحاً فهل يجوز لنا أن نحولها له بعقد هو يريد منه ربحاً ونتحاشى هذا الربح للواقف؟

هذه الأسئلة تجعلنا نقول بأن الفتوى أو القرار بزوال أصل الحبس من أجل استثماره أمر يكاد يكون يخالف نية المحبس، وأمر أيضاً لا ندري هل استخفاف الناس بالقواعد الإسلامية اليوم يجعله سيبقى ذلك البديل في المستوى أو في الطموحات التي طمح إليها المحبس؟ نحن نعلم في المغرب أنه كانت أحباس لكل الأشياء حتى للطيور وكانت أحباس بالعين: بالفضة والذهب، وهناك كانت أحباس للفقراء الذين يريدون الزواج، وأخرى للذين ساءت أحوالهم المادية، يستثمرونها فيرجعون عينها مع الربح، ولكن لاستخفاف الناس بالأوامر والنواهي بقيت هذه الأحباس تندثر حتى أصبحت اليوم في عداد حكايات الماضي.

إذن أنا أقول بأنه ينبغي الحذر من بيع العين، أما المنقولات فهذا شيء جائز، والذي ينبغي أيضاً أن يوجه إليه المجمع هو توجيه الناس لضرورة رجوع هذه السنة التي تكاد تندثر، وشكراً، والسلام عليكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>