للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

إن موضوع الأوقاف هو موضوع له أهمية كبرى في الوقت الذي يحتاج فيه العالم الإسلامي إلى جهد كبير ليلج جميع ميادين العمل الخيري، وفي الوقت الذي تقوم فيه المؤسسات التي تسمى مؤسسات خيرية في الغرب بجمع الأموال وتنميتها واستثمارها وغزو العالم الإسلامي من خلالها، في هذا الوقت نحن جديرون بأن ننظر إلى هذه المؤسسة الخيرية التي تسمى بالوقف والتي هي مؤسسة فريدة، وكما نص فقهاؤنا لم تكن موجودة في الديانات القديمة، هذه المؤسسة التي كانت في وقت من الأوقات حصناً يلجا إليها طلاب العلم والفقهاء ويلجأ إليها الفقراء ويلجأ إليها المرضى، لعلكم تذكرون أوقاف قرطبة على المرضى حيث يقدم بعض المرضى دعواهم عندما يصلون إلى قرطبة حديثاً، ثم يتقدمون أمام المحكمة ليشملهم هذا الضمان الاجتماعي وهو الأوقاف، فتحكم المحاكم بحسب مذهب مالك أن من أقام أربعة أيام صحاحاً يعتبر من سكان قرطبة وبالتالي له الحق في هذا الضمان الاجتماعي، أضف إلى ذلك ما قامت به الأوقاف في تحصين الثغور وفي فك أسارى المسلمين وفدائهم إلى غير ذلك من الميادين التي ولجتها الأوقاف.

إذن لا نحتاج إلى تذكير بهذه الأهمية، لكن كيف نحيي هذه المؤسسات في حياة الأمة؟ في الحقيقة توجد عقبات، عقبات فقهية في النظرة المتأصلة هي أن الوقف ثابت لا يتحرك وساكن لا يسير، هذه النظرة الفقهية جعلت كثيراً من الأوقات تضيع إلى جانب الفساد التاريخي والاعتداء على الأوقاف الذي لا يزال مستمراً في بعض رقاع العالم كما سمعنا قبل قليل في القدس، لا بد إذن أن نزيل هذه العقبات.

وقد حاولنا من خلال دراسة الأوقاف عن طريق ما سميناه بالمصلحة أن نعتبر أن المصلحة أساس في الوقف وبالتالي أنها ليست من باب التعبدي كما توهمه النظرة الأولى إلى مذهب الإمام مالك والشافعي رحمهما الله، وقول مالك: دعها تغمرها الرمال بالنسبة للنخيل، وما قاله بعض الشافعية أن تلك الحصر التي في المسجد تحرق، كأنها مسألة تعبدية لا يفقه لها معنى وليست من معقول الأحكام، فهذه النظرة بقيت فترة من الزمن مسيطرة على الذهنية العامة في العالم الإسلامي، وضاعت كثير من الأوقاف بسببها، ثم كانت تؤجر بالبخس حتى تبقى العين ثابتة، بجانب هذا هناك موقف وسط هو موقف مذهب الإمام أحمد المتمثل في استبدال الأوقاف، وهذا الموقف سنرى في النهاية أن المالكية والفقهاء في الأندلس أخذوا به وأجازوا الاستبدال بشروطه وأصبح معمولاً به.

<<  <  ج: ص:  >  >>