للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكرت هنا مسألة وقعت في القرن الثامن الهجري، حيث كان ناظر الوقف قد ذهب إلى القاهرة، ثم اختلفوا بعد ذلك في ما الذي يجب عمله فاستفتوا من علماء المذاهب الأربعة: علي بن جلال المالكي، والسراج البلقيني الشافعي، والشيخ محمد بن أحمد السعودي الحنفي، والشيخ عبد المنعم البغدادي الحنبلي، فأفتوا جميعاً بأن القاضي يقوم مقام الناظر، وهذا يدل على اهتمامهم بالوقف حيث لم يقتصروا على مذهب واحد بل استشاروا جميع علماء المذاهب حتى تكون الفتوى إجماعية كأنهم يمثلون مجمعنا هذا الذي تمثل فيه مختلف المذاهب، لهذا أرى أن التعاون بين وزارات الأوقاف والقضاء والجهات الخيرية الواقفة والجهات المنتفعة يمكن أن يعد برنامج الاستثمار الذي يراعي الناحيتين الشرعيتين والمصلحة بحيث يحافظ على الموازنة الدقيقة بين انفتاح الوقف لمقتضيات المصالح الراجحة المحققة أو المظنونة، وبين الإبقاء على الوقفية التي تتمثل في بقاء العين أو ما يقوم مقامها للمحافظة على طبيعة الانتفاع للمستفيد من الوقف بحيث لا تؤثر مراعاة المصلحة بالإبطال على أصل الديمومة والجريان المستمر اللذين يمثلان أساس الحكمة التي تميز الوقف عن غيره من الصدقات والهبات.

هذه المعادلة بين ديمومة الوقف وتحقيق أفضل ريع وعائد وفائدة للوقف يجب أن توضع نصب أعين الأطراف المسؤولة عن شؤون الأوقاف وكل الآراء الاجتهادية في المذاهب الفقهية تدور حول هذين المحورين، فبعضها غارق في التمسك بديمومة عين الوقف إلى حد الاحتفاظ بالذات بلا نفع، وكأن الوقف تعبدي سداً للذريعة وخوفاً من اعتداء شطار النظار، وعدوان حكام الجور، وقد سجل التاريخ الكثير من ذلك، بينما نحت اجتهادات أخرى إلى تحرير الوقف تذرعاً بالمصلحة التي من أجلها أنشئت الأوقاف بحثاً عن الاستثمار الأمثل مع ما يسببه ذلك من تعريض الوقف للتغيير والتبديل من جراء نهم النظار الذين خربت ذممهم وخفت أمانتهم.

وانطلاقاً مما تقدم ينبغي صياغة سياسة للمحافظة على الأوقاف ولا سيما في ديار الغرب حيث يتعين تسجيل المساجد والأوقاف الأخرى باسم هيئات موثوق بها، وإيجاد صيغة لاعتراف السلطان في هذه الديار بهذه الأوقاف، وشكراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>