للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال الثاني: كيف يتم انتقال المعدات إلى المستأجر؟

الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، ذلك أن انتقال المعدات إلى المستأجر إما أن يتم بمقابل، وإما أن يتم بدون مقابل.

القسم الأول- أن يتم بمقابل ويتصور ذلك بصور:

الصورة الأولى: أن ينص في عقد الإجارة على أن المؤجر يبيع للمستأجر عند سداد آخر قسط المعدات بثمن رمزي.

الصورة الثانية: أن يكون الثمن حقيقياً، إما بتعيينه أو بسعر السوق عند حلول الأجل.

الصورة الثالثة: أن يعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه الأعيان المؤجرة بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.

الصورة الرابعة: أن يكون الوعد أو البيع غير مصاحب لعقد الإجارة بل لاحقاً به.

القسم الثاني: أن يتم بدون مقابل، ويتصور ذلك بصور:

الصورة الأولى: أن يهبه المعدات في عقد الإجارة هبة تنفذ عند سداد آخر قسط.

الصورة الثانية: أن يعده بهبة المعدات في عقد الإجارة عند سداد آخر قسط.

الصورة الثالثة: أن يتم الوعد أو الهبة بعد تمام عقد الإجارة.

أما ما تم تصويره من أن عقد الإجارة ينتهي بتخيير المستأجر بين تمديد عقد الإيجار، أو استرجاع العين المؤجرة، أو بيعها له، فهذه ليست من الإجارة المنتهية بالتمليك في شيء، ولذا فهي خارجة عن نطاق البحث.

للإجابة عن حكم هذه الصور لابد من تحقيق ما يلي:

أولاً: هل يجوز أن يجتمع عقد الإجارة وعقد البيع؟

لما كان العقدان لا تنافي بينهما في الأحكام فإنه يجوز تبعاً لذلك أن يجتمعا، ذلك أن عقد الإجارة هو عقد على بيع منافع، ولذلك جعل ابن عرفة كلمة (بيع) جنساً في تعريف الإجارة.

إن عقد البيع على العين وما يشترط فيه يشترط في عقد الإجارة، ولذا نجد الفقهاء يحيلون تفصيل شروط الإجارة وأركانها على ما سبق لهم أن قرروه في عقد البيع، إلا أنه إن كان محل البيع ومحل الإجارة واحداً فقد اختلف فقهاء المالكية في جواز اجتماعهما، وقد حصل ابن رشد: "إن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز بحال عند سحنون، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح: أنه إذا كان يعرف وجه خروجه كبيعه ثوباً على أن على البائع خياطته أو قمحاً على أن يطحنه، أو فيما لا يعرف وجه خروجه إلا أنه يمكن إعادته للعمل كبيعه صفراً على أن يعمل منه البائع قدحاً وما أشبه ذلك، فذلك جائز، وأما ما لا يعرف وجه خروجه ولا يمكن إعادته كبيعه غزلاً على أن على البائع نسجه فلا يجوز باتفاق" (١) .

إن ما حصله ابن رشد يبدو حسب الأمثلة التي مثل بها أن الخلاف يجري في الإجارة حسب إطلاق علماء المذهب المالكي الذين غلب عندهم إطلاق لفظ الإجارة في العقد على منافع ما يعقل، وهو الذي يتصور فيه الخطر الذي منع من أجله سحنون اجتماعهما، لما يحصل من عمل الأجير من تأثير في العين لو استحق الشيء المبيع مثلاً، أما في الكراء الذي هو على منافع ما لا يعقل، فلا يتصور فيه مثل هذا التأثير، فالظاهر أنه لا خلاف في جواز اجتماعهما في عقد واحد، وقد صرح بذلك في المدونة: "سحنون قلت أرأيت إن اشتريت عبداً واشترط على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة، أخذت العبد وكراء الراحلة جميعاً في صفقة واحدة بمائة دينار، أيجوز هذا الشراء والكراء؟ وإن لم أشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم تشترط إن ماتت الراحلة أبدلها، وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد" (٢) .


(١) مواهب الجليل: ٥/٣٩٦.
(٢) المدونة: ٣/٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>