للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: هل يجوز أن يبيع العين المكتراة إلى المستأجر؟

جاء في المعونة: "يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الإجارة ما لا يكون غرراً يخاف تغيرها في مثله، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] ، ولأنه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر، لأن المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء مدة الإجارة، فكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع منه، ولأنه عقد على منفعة فلم يمنع العقد على الرقبة أصله إذا باع أمة قد زوجها" (١) .

فالقاضي قد جعل بيعها للمستأجر أصلاً مقيساً عليه مما يومئ إلى أنه متفق عليه.

وذكر ابن شاس أنه "إذا بيعت الدار المستأجرة من المستأجر صح البيع ولم تنفسخ الإجارة، واستوفى المبتاع المنفعة بحكم الإجارة، ولو باعها من غيره لصح أيضاً، واستمرت الإجارة إلى آخر المدة.

وروي أيضاً تخصيص الصحة في ذلك بالمدة اليسيرة كالسنتين والثلاثة وما قارب ذلك، والكراهية في المدة الطويلة.

وكذلك يصح بيع الرقبة واستثناء المنفعة مدة لا يتغير المبيع فيها، ويصح من المستأجر إجارة الدار للمالك، كما يصح منه للأجنبي" (٢) .

إنه بمجرد ما يتم عقد الإجارة بين الطرفين تنتقل المنافع إلى المستأجر وتكون ملكاً له يتصرف فيها كما يتصرف تصرف المالكين، فله أن ينتفع بنفسه، وله أن يبيع المنفعة لغيره سواء أكان المالك الأصلي أم لأجنبي، إلا أنه إذا باعها من المالك يراعى لجواز الصفقة أن لا تكون تحايلاً على الربا، كما إذا اكترى بمائة حالّة ثم أكرى العين المؤجرة إلى المالك بمائة وعشرين إلى أجل.

وذكر ابن جزي ما يأتي: "يجوز بيع الرباع والأرض المكتراة خلافاً للشافعي، ولا ينفسخ الكراء ويكون واجب الكراء في بقية مدة الكراء للبائع، ولا يجوز أن يشترطه المشتري لأنه يؤول إلى الربا، إلا إن كان البيع بعرض، وإن لم يعلم المشتري أن الأرض مكتراة فذلك عيب له القيام به" (٣) ، فابن جزي أطلق في المشتري سواء أكان المكتري أم غيره، لكن بشرط أن يكون البائع المؤجر ينتفع بثمن الإجارة في باقي المدة، وذكر ابن الجلاب: "من أكرى داراً أو أرضاً مدة معلومة فلا بأس أن يبيعها من مكتريها قبل تمام المدة، ولا بأس أن يبيعها من غيره إذا أعلمه بالإجارة، فان باعها ولم يعلم المشتري بالإجارة فهو عيب ... والأجرة على كل حال للبائع دون المبتاع" (٤) .

قال التلمساني: "ولا يجوز أن يشترط المشتري الأجرة لنفسه لأنه يدخله الذهب بالذهب متفاضلاً، ثم قال: قال مالك: (ومن ساقى حائطاً ثم باعه، فالبيع ماض والمساقاة ثابتة لا ينقضها البيع) ؛ الأبهري: لأن عقد المساقاة لازم كعقد الإجارة " (٥) .


(١) المعونة: ٢/١١٠٦.
(٢) عقد الجواهر الثمينة: ٢/٨٣٦.
(٣) القوانين الفقهية، ص٢٠٥.
(٤) التفريع: ٢/١٨٨.
(٥) مواهب الجليل: ٥/٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>