للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: هل يجوز أن يتم البيع بثمن رمزي؟

إن البائع العالم بنوع ما يبيعه وبثمنه إذا كان رشيداً صحيحاً فإنه لا خلاف أن له أن يبيع ملكه بثمن المثل، وبأقل منه وبأغلى، وأن يهبه أو أن يتصدق به، وكل ما ذكره بعض الفقهاء أنه إذا باع العين وسماها بغير اسمها جهلاً منه بحقيقة المبيع، كمن باع ياقوته وسماها عند البيع أنه يبيع زجاجة، فإنه في مثل هذه الحالة له أن يقوم على المشتري وينقض البيع، وأما لو سمى المبيع باسم عام يتناوله؛ كمن سمى المبيع شيئاً أو حجراً في المثال المذكور، فهذا لا قيام له بالغبن، قال المتيطي: "ومن باع سلعة بثمن بخس لجهله بها أو بقيمتها مثل أن يبع حجراً بدرهمين فإذا هو ياقوت، فإن ذلك يلزمه عند مالك، قال: ولو شاء لاستبرأ لنفسه قبل البيع، قال ابن حبيب: "وكذا لو ظن المبتاع أنه ياقوت فلم يجده ياقوتاً فذلك لازم له.. وأما إن قال البائع: من يشتري مني هذه الزجاجة فباعها على ذلك فإذا هي ياقوتة فله نقض البيع، جهله المبتاع أو علمه، كما لو سمى ياقوتاً فألفي زجاجاً فللمبتاع رده، وأما لو سكت أو قال: حجراً، ولم يبين فلا كلام له" (١) .

وقد نظم ابن عاصم ذلك فقال:

وبيع ما يجهل ذاتاً بالرضا بالثمن البخس أو العالي مضى

وما يباع أنه ياقوتة أو أنه زجاجة منحوتة

ويظهر العكس بكل منهما جاز به قيام من تظلما

وكذلك إذا غبن أحد المتبايعين عند من يرى القيام بالغبن الذي لا يعتبر إلا إذا توفرت شروطه، وهي التي أشار إليها ابن عاصم بقوله:

ومن لغبن في مبيع قاما فشرطه أن لا يجوز العاما

وأن يكون جاهلاً بما صنع والنقص بالثلث فما زاد وقع

والقضية منصوص عليها، والحديث الذي رواه البخاري ومسلم من أن حبان ابن منقذ كان يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) ، علق القاضي عياض على هذا الحديث فقال: غبن المسترسل، وهو المستسلم لبيعه ممنوع فله القيام إذا وقع ولا يلزم الغبن، والمسترسل هو الذي لا بصر له بالبيوع، وإن لم يسترسل بل ماكس فإن كان بصيراً بالقيمة عارفاً بها فلا قيام له لأنه كالواهب لما غبن فيه، وإن كان غير بصير بالقيمة فهذا موضع الخلاف، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا قيام له بالغبن، وقال البغداديون من المالكية: له القيام بالغبن غير المعتاد ... وعلق عليه الأبي: "قلت: لم يجعل له الخيار في الحديث إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن" (٢) .

إن الذي حملني على التوسع في تحرير هذا هو ما جاء في بحث "إن ثمن المبيع في الفقه الإسلامي لابد أن يكون مقارباً لقيمة السلعة الحقيقي" (٣) .

يظهر مما قدمناه:

أولاً: إن اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة جائز لعدم التنافي بين العقدين، إن ما ذهب إليه سحنون من عدم الجواز محله إجارة الإنسان العاقل على عمل يدخله في المبيع، فتتأثر العين بعمل الأجير، وهذا غير متصور في الكراء الذي لا أثر لعمل المكتري فيه، فالصورة الأولى والثانية من هذه الناحية مقبولتان، وكذلك لا أثر لكون الثمن رمزياً أو حقيقياً، وأنه لا حجر على الرشيد العالم ما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة والبائع بنك له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصاً تسنده الخبرة والعلم بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط ولكن في العالم خصوصاً مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق.


(١) حاشية المهدي الوزاني: ٢/٥، كراس ٣٩.
(٢) إكمال الإكمال: ٤/١٩٨-١٩٩.
(٣) انظر المجلة: العدد الخامس: ٤/٢٦٤٥-٢٦٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>