للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الصفقة في تلكم الصورتين تمثل عقدين لا عقداً واحداً، عقد إجارة، وعقد بيع، وليست الصفقة تمثل عقداً واحداً مع شرط فاسخ، ذلك أن الذي وقع النص عليه في عقد البيع هو أن المؤجر بائع وأن المستأجر مشتر للعين المؤجرة، والثمن معلوم، وأجل تنفيذ الصفقة معلوم أيضاً هو وقت سداد آخر قسط، وهذا مضبوط باعتبار أن الأقساط التي التزم المستأجر بخلاصها معلومة الآجال، متفق بين الطرفين على بدايتها ونهايتها.

إلا أن هذا العقد لا بد فيه من تقديم الثمن حتى لا يؤول إلى تعمير ذمتين الممنوع شرعاً، فعلى المشتري (المستأجر) أن يدفع الثمن الرمزي حالاً، أو أن يدفع الثمن المتفق عليه ناجزاً أيضاً، لتكون الصفقة في هذه الصورة حلالاً، وأما تركه لسعر السوق يوم التنفيذ فغير جائز لما بيناه، من أن ذمة البائع (المؤجر) عامرة وذمة المستأجر المشتري عامرة أيضاً، ولا يقال إن ذمة البائع قد فرغت بقبض المستأجر للعين، ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة لا يد ملك، وهي لا تتحمل الضمان وبالتالي لا تستحق الخراج.

حكم الصورة الثالثة:

أما الصورة الثالثة هي أن يعد المؤجر في صلب العقد أن يبيع للمستأجر المعدات بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.

الصورة الظاهرة هي صورة وعد، ولكن بإمضاء الطرفين على العقد يظهر أن المؤجر قد التزم بالبيع وأوجبه على نفسه عند إحضار المستأجر الثمن (باقي الأقساط) وأن الطرف الثاني المستأجر هو بالخيار في قبول الصفقة متى شاء أو عدم قبولها أثناء كامل مدة الإيجار، وبيع الخيار لا يجوز إلا إذا كان الأجل مضبوطاً بمدة محددة مما يكون المشتري في حاجة إليه حسب العادة في المذهب المالكي، ولذا فإن المدة تختلف باختلاف العين المؤجرة، يقول ابن عاصم:

بيع الخيار جائز الوقوع لأجل يليق بالمبيع

كالشهر في الأصل وبالأيام في غيره كالعبد والطعام

وقدرة الحنفية والشافعية بثلاثة أيام، فعلى رأي المالكية والحنفية والشافعية تكون الصورة الثالثة غير جائزة، ورأى الإمام أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن أن الخيار جائز لأي مدة اشترطت ورضى بها الطرفان، وذهب الثوري والحسن البصري وجماعة إلى أن الخيار مقبول مطلقاً ضرب له أجل أو لم يضرب (١) .

وقد ذكر ابن قدامة قائلاً: "إنه إذا شرطا الخيار أبداً متى شاءا، أو قال أحدهما: ولي الخيار ولم يذكر مدته، أو شرطا إلى مدة مجهولة كقدوم مسافر، أو هبوب ريح، أو نزول مطر، أو مشاورة إنسان، ونحو ذلك؛ لم يصح في الصحيح من المذهب، وهذا اختيار القاضي، وابن عقيل، ومذهب الشافعي، وعن أحمد أنه يصح، وهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه أو تنتهي مدته، وهو قول ابن شبرمة" (٢) .

فعلى رأي أحمد والثوري والحسن وابن شبرمة تكون هذه الصورة الثالثة مقبولة أيضاً.

الصورة الرابعة:

أن يكون بيع المعدات من المؤجر للمستأجر بعقد منفرد بعد انبرام عقد الإجارة، وهذه الصورة لا يختلف حكمها عما قرر في الصورة الأولى والثانية، مع التأكيد على وجوب تعجيل الثمن.

وأما الصورة الثالثة فهي وعد من المؤجر للمستأجر، وهذا الوعد ملزم لأن المؤجر قد أدخل المستأجر في طريق وحوله إليه بموجب الوعد، لأنه لو لم يعده لما بذل المستأجر مجهوداً إضافياً أو دخل في التزامات مع أطراف آخرين ليفوز بما وعده المؤجر.

نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين: "لو ذكر البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس ثم ذكر: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد" (٣) .


(١) بداية المجتهد: ٢/٢٠٦.
(٢) المغني: ٦/٤٣.
(٣) رد المحتار: ٤/١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>