للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يستفاد منها أن مدة عقد الإجارة يمكن أن تكون محددة بوقت واحد، ويمكن أن تكون على الخيار بين وقتين، حيث تم العقد في الإيجاب على أساس ثماني سنوات، أو عشر، وكان قبول موسى عليه السلام أيضاً غير محدد حيث قال: {ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} [القصص: ٢٨] .

ويقاس على ذلك ما إذا كان الخيار بين أكثر من وقتين مادام ذلك لا يؤدي إلى النزاع (١) .

ودلت هذه الآيات الكريمة على جواز الجمع بين عقدين في صفقة واحدة، وهما النكاح والأجرة والربط بينهما قال أبو بكر ابن العربي: "في هذا الاجتماع إجارة ونكاح، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال: القول الأول: يكره ابتداء، فإن وقع مضى.

الثاني: قال مالك وابن القاسم في المشهور: لا يجوز.

والثالث: قال ابن الماجشون: إن بقي من القيمة ربع دينار جاز، وإلا فلا.

قال أبو بكر: " والصحيح جوازه وعليه تدل الآية" (٢) .

وتضمنت الآيات إرشادات في غاية من الأهمية لاختيار الأجير، والوكيل، والموظف، والمدير ونحوهم، حيث قالت: {إن خير من استئجرت القوي الأمين} [القصص: ٢٦] ، فهاتان الصفتان: القوة والأمانة إذا تحققتا فيمن يوكل عليه العمل فإن النجاح يكون متحققاً بإذن الله تعالى.

فالقوة تعني القوة البدنية والفكرية والعقدية وتدخل فيها الخبرة والمعرفة والفطنة والكياسة، والمهارة، وأما الأمانة فتعني الإخلاص والغيرة والإحساس بالمسؤولية، ووجود رقابة داخلية تمنع الشخص من الخيانة والاعتداء، ومن التفريط والتقصير، والمقصود أن يتوافر في الشخص الإخلاص والاختصاص وهما جامع الخير كله.

واستعمل القرآن الكريم الأجور بدل المهور في أكثر من آية، فقال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٢٥] ، كما استعملها في أجور المرضعات فقال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، كما استعمل القرآن الكريم الأجر والأجور بمعنى الثواب في الآخرة في آيات كثيرة، وبمعنى الأجر الدنيوي في مقابل العمل كما في قوله تعالى في قصة موسى والخضر: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: ٧٧] .


(١) قال الرازي في التفسير الكبير، ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت ٢٤/٢٤٢: "إن عقد النكاح وقع على أقل الأجلين فكانت الزيادة كالتبرع"كما ذكر أن ذلك من شرع من قبلنا، وتدل الآيات على أن عقد النكاح لا يفسده الشروط التي لا يوجبها العقد. والراجح: هو أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ كما هو معروف في علم الأصول.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي، ط. دار المعرفة ببيروت: ٣/١٤٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>