للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر، فإن كان لا يضر به بقي العقد لازماً ولا خيار للمستأجر كالعبد (الشخص) المستأجر إذا ذهبت إحدى عينيه، وذلك لا يضر بالخدمة، أو سقط شعره، أو سقط من الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به في سكناها، لأن العقد ورد على المنفعة لا على العين..

والثاني عدم حدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجر، فإن حدث بأحدهما، أو بالمستأجر عذر لا يبقى العقد لازماً، وله أن يفسخ، وهذا عند أصحابنا، وعند الشافعي: هذا ليس بشرط بقاء العقد لازماً، ولقب المسألة أن الإجارة تفسخ بالأعذار عندنا خلافاً له ... لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر، لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد.. فكان الفسخ في الحقيقة امتناعاً من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.

ثم بين الكاساني تفاصيل الأعذار التي يفسخ بها العقد فقال: إن العذر قد يكون من جانب المستأجِر، وقد يكون في جانب المؤاجر، وقد يكون في جانب المستأجَر:

أما الذي في جانب المستأجر: "فنحو أن يفلس فيقوم من السوق، أو يريد سفراً، أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة، أو من الزراعة إلى التجارة، أو ينتقل من حرفة إلى حرفة، لأن المفلس لا ينتفع بالحانوت فكان في إبقاء العقد من غير استبقاء المنفعة إضرار به ضرراً لم يلتزمه العقد فلا يجبر على عمله".

وأما الذي هو في جانب المؤاجرة فنحو أن يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه إلا من ثمن العين المؤجرة، وأما الذي هو في جانب المستأجر فمنه بلوغ الصبي الذي أجره أبوه أو جده، أو وصيهما، ومنها أن لا يأخذ الصبي من ثدي الظئر.

ولكن الحنفية لم يجعلوا الرخص أو التوسع من الأعذار، لأنه زيادة منفعة فلا يؤثر في العقد، فلا يجوز له أن يفسخ العقد لأجل أن أجرة الحانوت الذي أجره أغلى من غيره أو أضيق (١) ، غير أنهم قالوا: إذا كانت الأجرة لأموال اليتيم، أو الوقف أقل من أجرة المثل تكون الإجارة فاسدة، وتلزم أجرة المثل (٢) .

ويظهر أن الحنفية مع الجمهور في لزوم عقد الإجارة غير أن الأعذار الطارئة عندهم بمثابة العيوب التي تعطي حق الفسخ وسيأتي لذلك مزيد من التفصيل عند الحديث على فسخ الإجارة.

والأدلة من الكتاب والسنة تدل على وجوب الوفاء بالعقود، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ، ولأن عقد الإجارة من عقود المعاوضات كالبيع فيجب أن يكون ملزماً، بل إن الإجارة –كما قالوا- هي بيع المنافع.


(١) بدائع الصنائع: ٥/٢٦١١-٢٦٢٢.
(٢) انظر المادة (٤٤١) من مجلة الأحكام العدلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>