للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ذلك أن الفقهاء ذكروا أن الواجب على المؤجر أن يسلم مع الدابة المستأجرة حزامها وإكافها ونحو ذلك، ومع ذلك أجازوا اشتراط نفي ذلك، قال النووي: "هذا إذا أطلقا العقد، أما إذا قال: أكريتك هذه الدابة العارية بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما فلا يلزمه شيء من الآلات" (١) .

ثم إن هناك فرقاً بين تسليم العين المؤجرة سليمة وصالحة، وهذا بلا شك واجب على المؤجر إلا إذا اتفقا على عين معيبة وهذا أيضاً جائز، وبين أن يفرض على المؤجر الصيانات التي تحتاج إليها العين المؤجرة بسبب العمل، فالذي يظهر لي رجحانه أن جميع أنواع الصيانات التي يعود سببها إلى العمل والتشغيل ليست من مقتضيات العقد، بل هي مما يجوز فيها الاشتراط والاتفاق.

قد يقال: إن بعض انواع الصيانة يتوقف عليها تشغيل المعدات؟

نقول: لا ضير في ذلك فهي مثل العلف للدابة المستأجرة، حيث لا تستطيع بدونه أن تعمل، أو تحمل، بل قد تموت، ومع ذلك فهو على المستأجر، لأنه يتعلق باستيفاء المنفعة، وليس بالتمكن من الانتفاع، وكذلك الحال في المعدات حيث إن المهم فيها هو أن يسلمها طبقاً للأوصاف المتفق عليها، أو برضا المستأجر بعد رؤيتها، أما ما تحتاج إليه هذه الآلة أو الطائرة من صيانة فيما بعد بسبب طبيعة العمل والاستهلاك فهذا يعود إلى العرف الجاري، أو الاشتراط.

بل إن بعض الفقهاء أجازوا ضمان العين المستأجرة كلها، وهذا مروي عن أحمد، وقول مرجوح للمالكية.

جاء في المغني: "فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد.. ولأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضموناً، وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه، وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم، وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه، ووجوبه بشرطه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) (٢) .

وذكر الإمام القرافي قولاً مرجوحاً للمالكية بأن يد المستأجر يد ضمان على العين المستأجرة كما في الأجير المشترك (٣) .


(١) الروضة: ٥/٢١٩.
(٢) رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم، فتح الباري: ٤/٤٥١؛ ورواه الحاكم في المستدرك: ٢/٤٩؛ وأبو داود في سننه –مع العون-: ٩/٥١٦؛ وابن حبان، الحديث رقم ١١٩٩؛ وقال الألباني في الإرواء: صحيح الحديث ١٣٠٣.
(٣) الذخيرة: ٥/٥٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>