للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: أن نظرة الفقهاء إلى الأجير تختلف عن نظرتهم إلى المضارب والوكيل، والشريك، حيث إن جمهورهم يرون تضمين الأجير المشترك، وبعضهم يضمنون حتى الأجير الخاص –كما سبق- وأن تعليلهم لذلك يفهم منه نوع الخصوصية للإجارة، فلنذكر ما قاله الإمام القرافي في هذا المجال في رده على من قال بعدم تضمين الأجراء (كالخياط ونحوه) فقال: "والجواب عن الأول –أي حديث ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)) (١) المعارضة بقوله عليه السلام ((على اليد ما أخذت حتى ترده)) (٢) .

وعن الثاني (أي القبض لمنفعة الغير) بأننا لا نسلم أنه لم يقبض لحق نفسه بل لمستحق الأجرة، فوجب أن يضمن كالفرض (٣) .

ثم رد القرافي على قياس الأجير على المضارب والمساقي والمودع والوكيل فقال: "سلمنا صحة القياس لكن المودع لم يؤثر في العين تأثيراً يوجب التخمة على أخذ بسبب التغيير، وهو الفرق في الوكيل، وأما المساقي فكذلك أيضاً، لأن الله تعالى هو منمي الثمار، وأما المقارض فلو ضمن مع أن المال بصدد الذهاب والخسارة في الأسفار لامتنع الناس منه فتتعطل مصلحته بخلاف السلع عند الصناع فظهر الفرق، ثم يتأكد ما ذكرناه أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قضوا بتضمينهم وإن لم يتعدوا.. ولأنه من المصالح فوجب أن يكون مشروعاً" (٤) .

وهذا النص يدل بوضوح على أن نظرة الفقهاء إلى الإجارة –بصورة عامة- تختلف عن غيرها من العقود التي لا تقوم على مبنى الضمان، فالإجارة لها طبيعة خاصة تختلف عن غيرها حتى في كيفية استفادة المستأجر من العين المؤجرة، ولذلك فإذا سلمها المؤجر بالشكل الذي يحقق الغرض المنشود من الإجارة، أو حسب الاتفاق فإنه قد أدى ما عليه، ثم إذا احتاجت بعد ذلك إلى أية صيانة تخص جانب التشغيل، أو ما سماه الفقهاء باستيفاء المنفعة، فإنها يمكن أن تشترط على المستأجر حسب مواصفات معلومة بالعرف أو المرات أو نحو ذلك مما يؤدي إلى رفع جهالة فاحشة عنه.

يقول القرافي: "يجوز كراء الدابة على أن عليك رحلها أو نقلها، أو علفها وطعام ربها، أو على أن عليه طعامك ذاهباً وراجعاً، وإن لم توصف النفقة، لأنه معلوم عادة" (٥) ، فهذا النص وغيره من النصوص الفقهية تسعفنا في عدم التشدد في موضوع العلم بالصيانة، وإرجاعها إلى العرف والعادة وأن المعيار في ذلك هو أن لا تكون الجهالة مؤدية إلى النزاع.


(١) رواه أحمد في مسنده: ٥/٧٢؛ والبيهقي في السنن الكبرى: ٦/١٠٠؛ والدارقطني في السنن رقم (٣٠٠) ، وهو حديث صححه عدد من الأئمة.
(٢) رواه الخمسة والحاكم وصححه. انظر: مسند أحمد: ٥/٨، ١٢، ١٣) ؛ وأبو داود، الحديث (٣٥٦١) ؛ والترمذي: ١/٢٣٩؛ وابن ماجه، الحديث (٢٤٠٠) ؛ والحاكم: ٢/٤٧؛ والبيهقي: ٦/٩٠.
(٣) لعلها: كالقراض.
(٤) الذخيرة: ٥/٥٠٣.
(٥) الذخيرة: ٥/٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>