للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثار عدم قيام المؤجر بالصيانة:

ذكرنا السابق أن جمهور الفقهاء في العقد المطلق على أن الصيانة الضرورية لحفظ العين، ولتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة تقع على كاهل المؤجر، ولكنهم اتفقوا على أنه لا يجبر على ذلك، لأن الإنسان لا يجبر على إصلاح ملكه (١) ولكن المستأجر له الحق في فسخ العقد بشرط أن يكون هذا قد وجد بعد العقد، أو كان موجوداً ولم يعلم به، أما إذا كان قديماً وعلم به أو حادثاً فأصلحه فوراً فليس له حق الفسخ، جاء في الدر المختار: "فإن لم يخل العيب به –أي بالنفع – أو أزاله المؤجر، أو انتفع بالمخل –أن يرضى به- سقط خياره لزوال السبب.. فإن أبي صاحبها أن يفعل كان للمستأجر أن يخرج منها إلا أن يكون المستأجر استأجرها وهي كذلك وقد رآها، لرضاه بالعيب، وإصلاح بئر الماء والبالوعة، والمخرج على صاحب الدار لكن بلا جبر عليه، لأنه لا يجبر على إصلاح ملكه، فإن فعله المستأجر فهو متبرع، لكن لو كانت وقفاً يجبر الناظر على ذلك حماية لأموال الوقف" (٢) .

إذن الجزاء على الإخلال بذلك هو حق الفسخ والخروج من العين المستأجرة دون الإجبار قضاء، وهذا ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية في مادتها (٥٢٩) ومرشد الحيران في مادته (٦٤٥) ، وذهب بعض الفقهاء (ابن حبيب من المالكية والغزالي من الشافعية) إلى أن المؤجر يجبر على ما يطيقه من الصيانة، وإصلاح العيوب اليسيرة (٣) .

لكن القوانين الوضعية ذهبت إلى أن الصيانة على المؤجر مطلقاً وأنه ملزم بها قضاء، كما في المادة (٥٧٦) من القانون المدني المصري، والمادة (٥٧٢) من القانون المدني الكويتي، بل للمستأجر الحق في التنفيذ العيني –كما سبق-.

ورأي الجمهور هو الراجح لأنه يحقق العدالة للطرفين، ولا يؤدي إلى تعسف بحق المؤجر الذي يجحف بحقه إلزامه بالإصلاحات التي قد تكلفه مبالغ باهظة، إضافة إلى أن هذا التشدد في حق المؤجر يؤدي بالنهاية إلى الإضرار بالقطاع التأجيري، لأنه يترتب عليه امتناع الكثيرين من الولوج في الاستثمار التأجيري خوفاً من تعسف يطالهم في هذا المجال.

ثم إن هذا الرأي لم يغفل حق المستأجر حيث له الخيار في فسخ العقد والخروج من العين المؤجرة (٤) .


(١) حاشية ابن عابدين: ٥/٤٩؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٤/٥٤؛ وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى على المنهاج: ٣/٧٨؛ وكشاف القناع: ٤/٢١.
(٢) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: ٥/٤٩.
(٣) شرح الخرشي: ٧/٥٢؛ وحاشية الجمل على شرح المنهج: ٣/٥٥٠.
(٤) د. محمد الأشقر: بحثه السابق، ص ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>