للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب أبو حنيفة إلى أبعد من ذلك إذ قال في الذي نسب إليه الكاساني أنه إذا باع مسلم لمسلم آخر أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا درهمًا بدرهمين، أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الإسلام فإن يجوز، وخالفه الصاحبان فقالا: لا يجوز، لأن كل واحد منهما لا يملك عصمة نفسه، ولا سبيل إلى تطبيق أحكام الإسلام، وعندهما أن نفس المسلم وماله معصومان متقومان، ونحن نؤيد قول الصاحبين، لأن مال المسلم ونفسه معصومان بالإسلام مهما كان الظرف الذي يوجد فيه، وفي حاشية عبد الله الشهير بالشرقاوي على تحفة الطلاب، تحرير تنقيح اللباب لشيخ الإسلام في زمنه يحيى بن زكريا الأنصاري قال: مدة الشرط في العقود التخييرية تتم بمدة معلومة يبقى الالتزام فيها مرتبطًا بشرطه متصلًا بمشروطه خلال مدة متوالية، في المصراة ثلاثة أيام متوالية تبدأ من وقت إبرام العقد، ثم قال بأنه إذا زاد عن ذلك بطل العقد في هذا النوع من المعاملات لأن الأصل منع الخيار في العقد، إلا ما أذن فيه الشارع، وهذا يسوق إلى القول بأن الخيارات منصوصة وليست اجتهادية وفرق السيوطي بين الشرط والتعليق بقوله: التعليق ما دخل على أصل الفعل فيه بأداته: كإن، وإذا والشرط ما جزم فيه بالأول وشرط فيه أمرًا آخر، واستنبط قاعدة هي:

الشرط إنما يتعلق بالأمور المستقبلية، أما الماضية فلا مدخل له فيها، ولذا لا يصح تعليق الإقرار بالشرط لأنه خبر عن ماض ونص عليه، ثم حدد من الشريعة أربعة أقسام: بعضها لا يقبل الشرط ولا التعليق: كالإيمان بالله والطهارة والصلاة والصوم، والضمان، والنكاح، والاختيار والفسوخ. (١) .

والثاني: ما يقبلها؛ كالعتق، والتدبير، والحجر.

والثالث: ما لا يقبل التعليق: ويقبل الشرط؛ كالاعتكاف والبيع في الجملة.

والرابع: عكسه كالطلاق والإيلاء، والظهار والخلع (٢) .

واستنتج من هذا أن التعليق لا فرق فيه بين الماضي والمستقبل إلا في مسألة واحدة وهي، إن كان زيد محرمًا أحرمت فإنه يصح، لأنه ليس لنا خروج عن عبادة بشرط، إلا في الاعتكاف والحج، ثم إن الشروط الفاسدة، تفسد البيع، إلا بشرط البراءة من العيوب، والقرض بشرط رد مكسور عن صحيح، أو أن يقرضه شيئًا آخر على الأصح فيهما (٣) .

وفي كتاب الجمل على شرح المنهج قال بأن انصراف أثر الشرط لأجنبي جائز، بعكس صدور الشرط منه وذلك بقوله ليس لشارطه للأجنبي خيار، ثم ركز على أن أثر شرط الخيار يمكن أن ينصرف إلى الأجنبي على المعاملة (٤) .


(١) كتاب بدائع الصنائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني: ٥/١٩٢
(٢) حاشية الشيخ عبد الله الأنصاري: ١ / ٤٠
(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي، ٣٧٦.
(٤) الجمل على شرح المنهج للشيخ سليمان: ٢ / ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>