ومثله ما روى الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، أن سعد بن عبادة ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رويجلا ضعيفًا في أبياتهم زنى بامرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اضربوه حده" فاقل سعد: أنه أضعف من ذلك. قال: خذوا عثكالا فيه مائة شمراخا فاضربوه به ضربة واحدة، ففعلوا.
فقد عرفت كيف تغيرت فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا من حالة الشدة إلى حالة التيسير والتسهيل إذ الأصل في جلد الحد تفريق الضربات حتى تأخذ كل ضربة مكانها من جسده ونظرا لضعف حاله جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم جلدة واحدة بعثكول فيه مائة شمراخ.
وله نظائر كثيرة، وقد أفتى الصحابة بجواز فطر الحامل والمرضع متى خافتا على أنفسهما أو على ولديهما، وليس كل حامل أو مرضع تفتى بهذا.
وهذا هو عين الفقه، ولو حكم بموجبه قاض لرموه بالتشنيع والزراية، ونسبوه إلى عدم الرواية والدراية، وإلى التساهل في أمر الدين، كما أنهم الآن يعيبون كل من أفتى بالتيسير فيما يقتضيه، متى وجد العالم إليه سبيلاً، فيرمونه بالتساهل في أمر دينه، وكونه مستخفًا بحرمات الله وحدوده؛ لأن بعض الفقهاء المتحجرة أفهامهم يميلون إلى التشديد في أقضيتهم وأحكامهم، ويقيدون الشريعة بقيود توهن الانقياد، ويجعلونها ضيقة النطاق.
وقد قال لي أحد الفقهاء في محضر محشود بكبار العلماء، قد عقد للمناظرة في قولي بجواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق عند حصول هذا الحشد العظيم، حينما فتحت مشارق الأرض ومغاربها لحج بيت الله العتيق بالآلات الحديثة من السيارات والطائرات حتى ضاقت الأرض، فكان من قول هذا العالم:"أن من تتبع الرخص تزندق"، قاله بمسمع من جميع العلماء الحاضرين، حتى كأن التشديد والغلو من سنة الدين.