وخفي على هذا العالم أن هذه كلمة كبيرة عند الله تنادي بإبطال سنة الله التي شرعها لعبادة؛ صدقة منه عليهم، ورحمة منه بهم؛ إذ الرخصة هي التسهيل، وهي ما ورد على خلاف أمر مؤكد لمعارض راجح، وضد الرخصة العزيمة، وهي الأمر المؤكد، ولما نزل قوله سبحانه:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}[النساء: ١٠١] . ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هي صدقة من الله تصدق بها عليكم فاقبلوا صدقته)) . فقصر الصلاة في السفر رخصة، وفطر الصائم في السفر رخصة، وفطر المريض رخصة، والمسح على الخفين رخصة، والمسح على الجبيرة رخصة.
أفيكون من عمل بهذه الرخصة زنديقًا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته. وقد سمى الله الرخصة تيسيرًا في جواز فطر المريض، والمسافر، والشيخ الكبير، فقال سبحانه:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] .
ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن. قال لهما:((يسرا ولا تعسرا)) . وقال يومًا لأصحابه:((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) . فالتيسير متى وجد العالم إليه سبيلاً، وجب أن يفتي بموجبه؛ لأنه من شريعة الدين الذي قال الله فيها:{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}[الأعلى: ٨] .
أراد الله تيسيرًا وأنتم
من التعسير عندكم ضروب
ولا ينبغي لنا أن نكون من سجناء الألفاظ، بحيث متى حفظ أحدنا قولاً من أقوال فقهائنا القدماء ليس له نصيب من الدليل والصحة، جعلناه حقًا لا محيص عنه ولا محيد، فنكون من سجناء الألفاظ الذين عناهم العلامة ابن القيم بقوله: