للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- الشروط المقترنة بالعقد:

إن الله تعالى صان التصرفات من أن تصبح نتائجها رهنا بالإرادة الإنسانية المطلقة التي كثيرا ما تطغى وتتنكب عن جادة الحق في التعامل بدافع من الأنانية والهوى والجشع ولا سيما إذا كانت في مركز أقوى، لذلك تولى الشارع بنفسه ترتيب هذه الحقوق التي يطلق عليها أحيانا أحكام العقد.

ولكل عقد حكم أصلي شرع من أجله وهو المقصود الأصلي من شرعية العقد، ويطلق عليه مقتضى العقد أو غايته النوعية، كانتقال ملكية المبيع إلى المشتري تلقائيا فور إنشاء العقد، وثبوت ملكية منفعة العقار للمستأجر في عقد الإجارة، وحقه في استيفائها، وغير ذلك من المقتضيات الأصلية للعقود التي تتنوع بحسب طبيعة كل عقد.

وإذا أراد أحد العاقدين أن يعدل من آثار العقد زيادة أو نقصا، كان له ذلك عن طريق الشروط العقدية التقييدية المقترنة، فالشرط التقييدي المقترن بالعقد: هو التزام وارد في التصرف القولي عند تكوينه زائد عن أصل مقتضاه شرعًا (١) .

أ- لا خلاف في أن الشروط التي يقتضيها العقد جائزة كاشتراط المشتري أن يتصرف في المبيع بيعا أو إجارة أو رهنا، لأن هذا يثبت بمطلق العقد فاشتراطها وعدمها سواء إذ لا يزيد ولا ينقص شيئا من أحكام العقد التي رتبها الشارع، لأنه مقتضى العقد فصح إجماعا وهذا النوع من الشروط ينبغي أن لا يدرج في الشروط التقييدية لأن ما يوجبه يثبت بالعقد قبل الاشتراط ولأنه زائد صورة لمعنى.

ب- الشرط الذي ينافي مقتضى العقد باطل، ويبطل العقد أيضا إذا كان من عقود المعاوضات، لأنه شرط يلغي الحكم الأصلي للعقد لأنه مناقض لقصد الشرع، ومناقضة قصد الشارع باطلة. يقول الإمام الشاطبي: إذا اشترط – البائع على المشتري – أن لا ينتفع بالمبيع، أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه إن تلف وأن يصدقه في دعوى التلف (٢) فهذا القسم أيضا لا إشكال في إبطاله لأنه مناف لحكمة السبب، ولأن الأصل أن ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط (٣) . فما ثبت بالشرع هو من النظام الشرعي العام في التعامل فيرتقي إلى مستوى الشرع الملزم الذي يتمثل فيه الإرادة الحقيقية للمشرع وأما ما ثبت بالشرط محض تصرف بالإرادة الإنسانية فكانت المنافاة بين الشرع الملزم، والتصرف الإرادي وهذه هي المناقضة أو المضادة للمشرع، والمناقضة باطلة بالإجماع، فكذلك ما يؤدي إليها بالإجماع ضرورة (٤)


(١) الفقه الإسلامي المقارن د. محمد فتحي الدريني، الطبعة الخامسة، ـ ١٩٩٥، ص٥٩٧.
(٢) الموافقات في أصول الشريعة لأبي أسحاق الشاطبي: ١/٢٥٢، الطبعة الثالثة، ١٩٩٧م.
(٣) الفوائد الجنية لأبي الفيض محمد ياسين الفاداني: ٢/٢٩٢، الطبعة الثانية، ١٩٩٦م، والمنشور في القواعد لبدر الدين الزركشي: ٣/١٤٣، الطبعة الأولى، ١٩٨٢م.
(٤) الفقه الإسلامي المقارن، د. فتحي الدريني، ص ٥٩٨، وانظر الفتاوى الهندية: ٣/١٣٣-١٤٦ للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الطبعة الرابعة، ١٩٨٦م، وانظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني، الطبعة الثانية، ١٩٨٢م: ٥/١٦١-١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>