للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشروط المقترنة بالعقد تقييدا عند الحنابلة:

الحنابلة أكثر الأئمة عملا بمبدأ حرية التعاقد أو بمبدأ سلطان الإرادة العقدية، ويرون أن الشارع الحكيم هو الذي أذن أو فوض للإرادة أن تنشئ من العقود والشروط ما تشاء، وذلك بأن جعل الرضا مناطا للحل والمشروعية سواء في العقود التبادلية (المعاوضات) أم التبرعات بحكم الشرع لقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (النساء: ٢٩) ، ولقوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (النساء: ٤) .

ولا يفسد الشرط إلا إذا أوجب أمرا يحرمه الشارع بدليل شرعي بأن كان مشتملا على معنى الربا أو الغرر، أو أوجب ما ينقض الحكم الأصلي للعقد ويلغيه (ينافي مقتضاه) ، أو ينافي الشرع نفسه في قواعد مقاصده، فالأصل الإباحة، والمنع استثناء.

يقول ابن تيميه – رحمه الله تعالى – (الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه. . . فإن الكتاب والسنة دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث. ولكن إذا لم يكن المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه، فإذا كان المشروط مخالفا لكتاب الله وشرطه كان الشرط باطلا. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق)) (١)

ويقول أيضا: (فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما وعدم الإيجاب ليس نفيا للإيجاب حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، وكل شرط صحيح فلابد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا، فإن المتبايعين يجب لكل منهما على الآخر من الإقباض ما لم يكن واجبا ويباح أيضا لكل منهما ما لم يكن مباحا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حراما، وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين. وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع أو رهنا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها، فإنه يجب ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك) (٢) .


(١) فتاوى ابن تيمية: ٢٩/٣٤٦- ٣٤٧، رواه البخاري: (٥/٣٢٦ فتح الباري – ط السلفية) ، ومسلم: ١٥٠٤، والترمذي: ٢١٢٤، وأبو داود: ٢٩٢٩، والنسائي: ٤٦٥٥، وانظر روايات الحديث في جامع الأصول: ٨/٩٤-٩٨. والمراد بما ليس في كتاب الله ما يتضمن مخالفة لأسس الشريعة التي قررها القرآن. فالتعاقد على ذلك واشتراطه باطل، كما يعتبر اليوم من النظريات القانونية الحقوقية التعاقد على ما يخالف النظام العام والآداب العامة أو ما يخالف النصوص القانونية باطلا. ونظيره قول عمر المقدم في وصيته القضائية لأبي موسى الأشعري: (الصلح جائز إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا) . فكتاب الله هنا ليس معناه القرآن، بل معناه: ما كتبه الله وأوجبه، أي شريعته التي شرعها، فالكتاب هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي المكتوب بمعنى المفروض، كما في قوله تعالى في القرآن: (إن الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (النساء: ١٠٣) . المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى أحمد الزرقا: ١/١٧٠-١٧١، طبعة ١٩٩٨م.
(٢) فتاوى ابن تيمية: ٢٩/١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>