تعليقي الأخير هو أن بعض الإخوة يعترض على التسمية. التسمية المتعارف عليها هي الشرط الجزائي، وهذه ترجمة. أصل هذا الموضوع جاءنا من الغرب، الأصل فيه القانون الفرنسي، أخذه عنه القانون المصري، وترجمة بالشرط. الجزائي، وهو موجود أيضًا في القانون الإنجليزي. القانون الإنجليزي يفرق بين اثنين وهما عبارة (penalty) وهذه تترجم بالشرط الجزائي، وعبارة أخرى (liquidated damages) والتي هي التعويض عن الضرر. القانون المصري عندما أخذ هذه العبارة استعمل كلمة الشرط الجزائي، الدكتور السنهوري عندما أراد أن يشرح هذا القانون وضع بين قوسين أو لعله وضع قوسان في الأول (التعويض عن الضرر) وبين قوسين (الشرط الجزائي) ليدلنا بذلك على أنه يتحدث عن التعويض عن الضرر، وجميع البلاد العربية أخذت هذا عنه فاستعملت التعويض عن الضرر، ولذلك أنا استبعدت عبارة (الغرامة الجزائية) لأن هذه غرامات تفرض من الدولة على المقاولين لا دخل لها بالشرط الجزائي الذي نتحدث عنه.
هنالك جزئية تعرض لها الدكتور رفيق المصري تتعلق بعقد التوريد، وفرق بين حالتين، وذلك في بحثه عن مناقصات العقود الإيجارية، وقال:" رأينا الشرط الجزائي – مسألة دقيقة يستحسن أن أعرضها عليكم – التمييز بين التخلف والتأخير " ويقول الدكتور رفيق: " وعلى هذا فإن الرأي في الشرط الجزائي إن كان لعدم التنفيذ فهو جائز ويأخذ حكم العربون وإن كان اشتراط الشرط الجزائي لأجل التأخير في التنفيذ فإنه غير جائز، لأنه يكون في حكم ربا النسيئة – والله أعلم – وبهذا نكون قد ميزنا في الشرط الجزائي بين التخلف الذي هو عدم التنفيذ وبين التأخير وبهذا تمتنع غرامات التأخير في عقد التوريد "، وأنا مشيت في بحثي على أنه لا فرق بين غرامات حالة التأخير أو حالة عدم التنفيذ، وهذا ما مشت عليه كل القوانين وأقره مجمع الفقه، لكن الدكتور رفيق يرفضه، ما حجته؟ يقول الدكتور رفيق:(إذا اعتبرنا أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام يساوي الدين فإن في غرامة التأخير شبهة ربا النسيئة (تقضي أو تربي) هذه هي عبارته. ووافق الدكتور رفيق كل من الشيخ حسن الجواهري والدكتور علي محيي الدين القره داغي، ثلاثتهم فرقوا بين عدم التنفيذ وبين التأخير. أجازوه في حالة عدم التنفيذ ومنعوه في حالة التأخير للعلة التي ذكرها الدكتور رفيق، ولست معهم في هذا الرأي لأن ما استدل به الدكتور رفيق غير مقبول عندي.
استدلال الدكتور رفيق هو أن المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام يساوي الدين هذه هي حجته أقول: كون المبيع المستحق التسليم في أجل محدد ضرب من الالتزام لا خلاف فيه، وأما كون هذا الالتزام مساويًّا للدين فغير مسلم لأن الالتزام أعم من الدين فكل دين التزام وليس كل التزام دينًا، والالتزام في عقد المقاولة ليس دينًا وإنما هو التزام بأداء عمل، والمقاول قد يكون دائنًا لا مدينًا في كثير من الحالات، فالبنوك العقارية تقوم ببناء المساكن مقاولة وتتقاضى المقابل على أقساط بعد تسليم المبنى، وكذلك يفعل كبار المقاولين. والفرق كبير جدًا بين التزام المقاول والمورد، والتزام المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه، فالتزام هؤلاء الثلاثة – المقترض والمشتري بثمن مؤجل والمسلم إليه – دين حقيقي ثبت في ذمتهم وأخذوا مقابله فعلًا، أما التزام المقاول والمورد فهو التزام بأداء عمل لا يستحقون مقابله إلا بعد أدائه، فلا يدخله الربا من أي جهة كانت.
واكتفى بهذا وإن كان عندي بعض التعليقات أتركها لضيق الزمن.