أؤكد أن الشروط الجزائية إنما تصح وفق الأصل الذي يؤكد الوفاء بالعقود، وأن المسلمين عند شروطهم، هذه الأصول تصحح لنا كل شرط دخل في العقد ورضي عليه المتعاقدان مهما كان الأعم من الشرط الجزائي وغيره، فهو طبق الأصل مقبول من الفقهاء، وبطبيعة الحال مقبول من الحاضرين والباحثين هذه نقطة أقولها لكي أرد على من يقول بأن الشرط الجزائي أمر مستحدث أو أمر لم يعرفه الفقه من قبل، وهو طبق القاعدة وطبق هذه النصوص الشريفة. ومن هنا أفرع على أني أعتقد أن الشرط الجزائي ليس دائمًا مجرد اتفاق على التعويض عن ضرر، وإنما هو تعويض يحدده المتعاقدان جزاء على إخلال أحدهما بما تعاقدا عليه ولو لم يصب الآخر ضرر. إنه جزاء على إخلال أحدهما بما تعاقدا عليه. فالمنطلق هنا ليس قاعدة (لا ضرر) أو غير هذه القاعدة وإنما المنطلق هي الأصول العامة التي قررت وجوب الوفاء بما تعاقد عليه الطرفان. وهذه نقطة مهمة.
الشيء الثاني: اعترض على بعض الأخوة ومنهم الشيخ محمد عبد الرحيم بأنني مثلت في بحثي بقولي ألا يكون الشرط مخالفًا للكتاب والسنة، فإذا زوجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقاً. . . قلت: هذا الشرط غير صحيح. وأكد أن ابن الأمة هو عبد ولكني أقول بأن المتيقن به لدينا أن الولد يتبع أشرف الأبوين، وحينئذ فلن يكون ولدها بهذه الصورة حتى ولو كانت الأم أمة، لن يكون رقًا وأشار أيضا إلى أنني قلت: إنه إذا تعاقد اشترط في ضمن العقد أنه إذا انصرف أحدهما كان له الحق في الفسخ بشرط أن يدفع كذا من المبلغ، فإذا جعل المبلغ مقابل حق الفسخ قبلته، أما إذا لم يجعل المبلغ مقابل حق الفسخ وانصرف أحدهما بهذا الشكل فهو أكل للمال بالباطل، فرقت بين جعل حق الفسخ وعدمه وناقش الأخ، وأذكره بأني كتبت في ذيل هذا: وإن أمكنت المناقشة في المثل هذا. أنا أيضًا كانت لي مناقشة، لعله لا فرق بين الصورتين فإن الانصراف إنما يكون عند وجود حق الفسخ، واعترض علي لقولي في آخر المقال بأنه إذا كان الشرط الجزائي مطلقًا غير مقيد بترتيب خاص فالظاهر ثبوته في ذمة المتعهد بمجرد عدم قيامه، سواء كان باختيار أو غير اختيار. يقول: لا، في الفتوى التي صدرت تقول الأشياء القهرية ليس عليها جزاء، أنا لا استند إلى هذه الفتوى، استند إلى الأصل في لزوم تنفيذ الشروط، فما دام قد اتفقا مطلقًا، قال: إذا لم يتحقق هذا الشرط من قبلك أو من قبل أي أحد آخر مطلقًا اتفقا على لزوم الجزاء فإن هذا الجزاء يترتب ما دام اتفقا عليه، فإن التزامها هو إمضاء الشرع الشريف لهذا الالتزام يوجب وضعًا وهو تنفيذ الشرط الجزائي، واعتقد أن هذا منسجم مع القواعد بشكل كامل.
هناك نقطة أشار إليها أيضًا الدكتور عبد السلام وهو أن البحوث لم تشر إلى النقطة المهمة التي قصدتها الأمانة العامة وهي مسألة التأخير الذي يحصل في الأقساط وما يترتب عليها من شروط جزائية. أعتقد أن البحوث كلها أشارت إلى هذه النقطة، وطبعًا لو كانت الأمانة العامة تركز على هذه النقطة أو تركز على البدائل المطروحة لكان البحث يتركز على هذا الشيء بشكل كامل.
وعلى أي حال الشرط الجزائي للتأخير في الدفع لا يمكن القبول به، وقد رفضه المجمع كما أعتقد في قرار سابق، وحتى لو دفعت التأخيرات المالية إلى جهة ثالثة ففيها بلا ريب شبهة الربا الصريح الجاهلي الذي تشير إليه النصوص. فعلى أي حال لا أعتقد أن هذا أمر يمكن القبول به.