الأبحاث لم تركز على الشرط الجزائي في الديون , وبعض الإخوة قال: إن هذا الأمر قد حسم بالنسبة لديون المرابحة والتقسيط.في الحقيقة هذا هو موضع الخلاف والإشكال. والمقاولات والاستصناعات لا إشكال كبير فيها وقد أفتت فيها هيئات كبيرة وهو معمول به. المشكلة المماطلة في الديون، ((ومطل الغني ظلم)) كما قال عليه الصلاة والسلام ((ولي الواجد يحل عرضه وعقوبته)) والعقوبة الأصل فيها أن تكون من ولي الأمر كما هو معروف قضاء. المشكلة القضاء في أكثر البلدان بطئ جدًا وفيه تأخير شديد وضياع لكثير من الحقوق لسنوات طويلة، والحق إذا تأخر أخذه لصاحبه فقد ظلم صاحب الحق. لو كان القضاء يسعفنا لما أصبحنا بحاجة إلى مثل هذا، ولكن للأسف بسبب التأخير والتأجيل وضياع الحقوق في معظم المحاكم بل وعدم القدرة على التنفيذ في أكثر الحالات لهذا السبب تتحاكم الدول الإسلامية في عقودها الدولية إلى محاكم لندن وفرنسا، بل حتى في بعض العقود المحلية مثل وزارة في دولة من الدول الإسلامية تعقد عقدًا مع وزارة أخرى في نفس الدولة فنجد أن بند التحاكم يشير إلى محاكم لندن وباريس، ومن قال غير ذلك فأرجو أن يراجع نفسه ويتحقق من هذه المسألة. فهناك مشكلة حقيقية يستغل بعض المتعاملين مع المصارف الإسلامية يستغلونها إذا لم يوجد في عقودها شرط مثل هذه الشروط الجزائية فيأخذون أموالها ثم يودعونه في البنوك الربوية بالربا، ثم يماطلون لسنوات طويلة، ثم بعد عشر سنوات أو عشرين سنة يقولون خذوا أموالكم ليس لكم إلا هذا، وسيدنا عمر – رضي الله عنه – يقول:(لست بالخب ولا الخب يخدعني) . هناك أمثلة واقعية كثيرة لهذه الأمور، فلابد من حل هذه المشكلة الواقعة ولهذه النازلة من النوازل.
الإخوة العلماء والسادة الأفاضل يدعون إلى البنوك الإسلامية وأن تحارب البنوك الربوية، ولكن لابد من إيجاد الحلول العملية ولا يكفي أن نقول كما قال بعض مشائخنا إن هذا واجب الدول ونحن نفتي وكفى، فهذا أظن أنه هروب من المسؤولية، فواجبنا أن نصحح معاملات الناس ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. كثير من الدول لديها بيروقراطيات ومشاكل وروتين قاتل لا تستطيع أن تغير القوانين والأنظمة في يوم وليلة، وأمر المال والاستثمار أيها الأخوة الكرام يتعلق بالملايين ومئات الملايين والمليارات لا يستطيع أصحاب هذه الملايين أن ينتظروا السنوات الطويلة وأموال البنوك الإسلامية هي أموالنا، هي أموال المودعين والمساهمين، هي أموال المسلمين، ونحن مسؤولون عن هذه الأموال.
الاستثمار اليوم يتم باللحظة وبالدقيقة وبالثانية، والأسواق العالمية تفتح على مدار (٢٤) ساعة، فما هو الحل لهذه المشكلة؟ الربا حرام قطعًا، أخذ الزيادة للدائن نفسه فيه مخالفة أيضًا وشبهة الربا، فأخذت بعض الاجتهادات الجماعية والفردية بقول وسط كما أشار شيخنا القره داغي وهو أن يوضع شرط في العقد بشرط صرف هذه الأموال الزائدة في جهات البر والخير ومصالح المسلمين، كما ذكره بعض الفقهاء من المالكية الحطاب وغيره على جواز اشتراط التصدق على المدين، هذه المسألة المهمة لم يتعرض إليها أحد من الباحثين إلا بحثًا واحدًا عرضًا. فإذا كانت هناك حلول أخرى غير هذا الحل فنرجو أن يأتي بها أصحابها، ولكن لابد أن يحسم قرار مجمعكم الموقر هذا الأمر فهو لا يحتمل التأجيل والتأخير، وبسبب ذلك يتسبب في ضياع أموال المسلمين وذهابها إلى جهات مختلفة كما تعلمون. والله أعلم.