رابعًا: مسألة وهي في الواقع جديرة بالتنبيه؛ ألا يخلط بين الشرط الجزائي وبين العقوبة المالية بالنسبة للمماطل في أداء الحق، فالعقوبة المالية ليست عقوبة على تخلف السداد في المستقبل وإنما هي عقوبة مالية لقاء التأخر في السداد دون النص عليه في العقد أو رضا المماطل.
المثال الذي ذكره الدكتور السالوس – حفظه الله – في تخلف المديونية من ثلاثين ألفًا إلى سبعة وتسعين ألفًا، هذا في الواقع تجاوز في التطبيق، والتجاوزات في التطبيق لا ينبغي أن تأتي على المبادئ أو على القرارات، فكل من تجاوز في تطبيق فتوى، أو في تطبيق قرار، أو في تطبيق أي إجراء لا يجوز أن ينسب إلى القرار نفسه أو للفتوى، وإنما هو منسوب إلى ذلك المتجاوز فضلًا أن هذا التجاوز ليس من الشروط الجزائية المعتبرة.
خامسًا: ورد في بعض البحوث خلط في العربون بين اعتباره شرطًا تعويضيًّا وبين اعتباره شرطًا جزائيًّا، وهو في الواقع تعويض، والواقع أن العربون ليس في مقابلة الإخلال بالوعد، فلا يجوز أن يؤخذ عربون في حال الوعد وإن كان الوعد ملزمًا، لكن ما يؤخذ يمكن أن يعبر عنه بأنه هامش جدية أو شيء من هذا، وهو في الواقع يعتبر أمانة بيد الموعود حتى إذا ترتب عليه ضرر في حال الإخلال بالوعد وعلى اعتبار الإلزام به يكون له حق أخذ الضرر من هذا والذي هو هامش جدية، ولكن ليس عربونًا، فإنما العربون لا يكون إلا بعد تمام البيع بإيجابه وقبوله وانتقال العين من مالكها إلى مشتريها، ويكون للمشتري خيار الرد أو الإمساك مدة معينة ويبذل في سبيل ذلك ما يسمى بالعربون، هذا العربون إن رضي أو اختار الرد صار هذا العربون حقًا للبائع نفسه لقاء حبسه لسلعته، وإن وفى وأمضى العقد صار جزءًا من الثمن.
سادسًا: الدكتور عبد السلام العبادي – حفظه الله – أكد وجود الإشكال في تخلف مديونيات البنوك الإسلامية وأن حصر الشرط الجزائي في العقود والمقاولات وليس في الديون، هذا في الواقع يعتبر إشكالًا، لكننا في الواقع نقول أولًا لا شك أن حصر الشرط الجزائي في العقود وفي التوريدات وفي المقاولات ونحو ذلك، لا شك أن هذا ما يقتضيه الشرط الجزائي، ولكن ما ذكره معالي الدكتور عبد السلام هو صحيح، والآن نفس المصارف الإسلامية تعاني معاناة بالغة ويعتبر أعظم مشكلة وعرقلة في سبيل تقدمها ونجاحها هو هذه الديون المتعثرة. لديها الآن ديون متعثرة عظيمة، وهي بحكم منهجها ممنوعة أو مانعة نفسها من أن ترتب فوائد ربوية.
إذن ماذا يكون؟ المصارف التقليدية تقول: اللهم زد من هذا التأجيل وفي ربح هذا التأجيل. لكن المصارف الإسلامية ماذا تقول؟ تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. فيجب علينا أن ننظر إلى هذا الشيء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أوجد لنا الحل لكننا في الواقع لا نزال في تردد من قبول هذا الحل مع الأسف الشديد وهو نص نبوي في قوله صلى الله عليه وسلم:((مطل الغني ظلم)) ، وقوله الآخر ((لي الواجد يحل عقوبته وعرضه)) والعموم في قوله صلى الله عليه وسلم يتناول العقوبات المالية، ولهذا أضم صوتي إلى صوت الدكتور عبد السلام في أن البنوك الإسلامية تعاني مشكلة تعثر السداد فلابد من حل لذلك.