وفي جانب آخر لو لم يكن وعد البائع ببيع هذا القمح ملزمًا، ربما يتضرر به المشتري، وذلك أنه لما وعده البائع بتوفير هذه الكمية من القمح، فإنه يمسك عن طلبها من تاجر آخر اعتمادًا على وعد البائع، في حين أنه يحتاج إليه في التاريخ المتفق عليه، فلو أخل البائع بوعده، وامتنع من توفير القمح في ذلك التاريخ، فإن المشتري لا يمكن له أن يحصل على هذه الكمية في ذلك التاريخ، وإنه يحتاج إلى أن يطلب تاجرًا آخر يتفق معه لتوفير الكمية المطلوبة خلال الأسبوع القادم، مع أنه يحتاج إليها في هذا الأسبوع، ثم عدم إلزام الوعد يجري على التاجر الجديد أيضًا، فيمكن أن يمتنع هو عن إبرام البيع، كما امتنع البائع الأول، فلا سبيل إلى اطمئنان المشتري بتوفير الكمية المطلوبة في أي تاريخ مستقبل إلا بأن يكون الوعد ملزمًا على البائع، فمن صالح كلتا الجهتين أن يكون وعد كل منهما وعدًا ملزمًا، وفي جعل هذه المواعدة غير ملزمة لأحد من الطرفين حرج بين كما أسلفنا.
وقد ذكر الإمام أبو بكر الجصاص في تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٢] ما نصه:
" يحتج به في أن كل من ألزم نفسه عبادة أو قربة، وأوجب على نفسه عقدًا لزمه الوفاء به، إذ ترك الوفاء به يوجب أن يكون قائلًا ما لا يفعل، وقد ذم الله فاعل ذلك، وهذا فيما لم يكن معصية، فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يلزمه الوفاء بها. . . وإنما يلزم ذلك فيما عقده على نفسه مما يتقرب إلى الله عز وجل، مثل النذور، وفي حقوق الآدميين، العقود التي يتعاقدونها "(١) .
وظاهر آخر هذه العبارة يدل على أن الوعود يجب إيفاءها إذا كانت متعلقة بالعقود التي يتعاقد بها الناس، وإن كانت الوعود من الطرفين.
وقد يستشكل هذا بأنه إذا جعلنا المواعدة من الطرفين لازمة فلا يبقى هناك فرق بين هذه المواعدة اللازمة على الطرفين وبين البيع المضاف إلى المستقبل الذي اتفق الأئمة الأربعة على عدة جوازه.