للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن المواعدة ليست عقدًا باتًا، وإنما هي موافقة الطرفين على إنجاز العقد في تاريخ لاحق وهو يحتاج إلى الإيجاب والقبول في ذلك التاريخ اللاحق، والفرق أن إنجاز العقد ينقل المعقود عليه من ذمة إلى ذمة، فمن أنجز الشراء فإنه جعل الثمن دينًا في ذمته، ومن أنجز البيع، فإنه نقل ملكية المبيع إلى المشتري، أو جعل المبيع دينًا في ذمته إن كان البيع سلمًا، وإن هذا الانتقال من ذمة إلى ذمة يحدث فور ما يتم الإيجاب والقبول، ولذلك من اشترى دارًا لسكناه، ولم يدفع الثمن إلى بائعها، فإنه صار مدينًا للبائع بمقدار الثمن، وتجري عليه سائر أحكام المديون، فلا تجب عليه الزكاة بمقدار هذا الدين على قول من يجعل الدين مانعًا لوجوب الزكاة حالًا كان أو مؤجلًا (١) ، وإذا أفلس المشتري فإن البائع أسوة للغرماء على قول الحنفية، وكذلك من باع الحنطة سلمًا، فإنه أصبح مدينًا للمشتري بذلك المقدار من الحنطة، فتسقط عنه الزكاة بذلك المقدار، لكونه دينًا عليه. ولا يسقط هذا الدين بموت المسلم إليه، فيؤخذ المسلم فيه من تركته حالًا (٢) .

أما المواعدة فلا تنشئ دينًا على أحد من الطرفين، فلا تحدث بها هذه النتائج، فإذا تواعدا على بيع الشيء في تاريخ لاحق، لم يكن الثمن دينًا في ذمة الواعد بالشراء فلا تسقط عنه الزكاة بمقدار الثمن، ولم يكن المبيع دينًا في ذمة الواعد بالبيع، فلا تسقط عنه زكاته، ولا يحق للواعد بالشراء أن يأخذ الشيء الموعود بيعه من تركه الواعد بالبيع بعد موته، أو بعد إفلاسه، فظهر أن المواعدة ليست عقدًا ولا تنتج عنها آثار العقد ولا المديونية إلا في التاريخ الموعود، ولا تحدث هذه النتائج بصفة تلقائية، حتى في التاريخ الموعود، بل يجب عند ذلك أن يتم الإيجاب والقبول من الطرفين على أنه إن عرض لأحد الطرفين في المواعدة عذر حقيقي مقبول منعه من إنجاز الوعد، فإنه يعد معذورًا ولا يجبر على إنجاز العقد، ولا على دفع التعويض. أما في البيع المضاف إلى المستقبل فعجز أحد الطرفين من تنفيذ مسؤولياته العقدية لا يسبب فسخ البيع تلقائيًّا، وإنما يحتاج إلى الإقالة بالتراضي.


(١) راجع بدائع الصنائع، للكاساني: ٢ / ٨٣، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت ١٤١٧ هـ
(٢) راجع رد المختار: ٤ / ٢٣، باب السلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>