للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أثر كون المواعدة لازمًا، فلا يتجاوز من أن يجبر الحاكم الفريقين بإنجاز العقد في التاريخ الموعود. وإن أخل أحدهما بالوفاء بوعده، حمله الحاكم ما تضرر به الآخر من الضرر المالي الفعلي الذي حدث بسبب تخلفه عن الوفاء (١) وهذه النتيجة مختلفة تمامًا عن نتائج إنجاز العقد الذي ينقل المعقود عليه من ذمة إلى ذمة.

ولا شك أن هذه الفروق بين المواعدة وبين إنجاز العقد فروق دقيقة، وإذا وقعت المواعدة الملزمة من الطرفين، فإنها تشابه العقد ولو لم تكن عقدًا، فلا ينبغي في عامة الأحوال أن تجعل المواعدة ملزمة في القضاء، تفاديًّا لشبهة العقد في تاريخ مستقبل، كما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي. ولكن بما أن المواعدة الملزمة ليست عقدًا باتًا في حقيقة الأمر لفوارق ذكرناها، فإنها يمكن أن يصار إليها في مواقع الحاجة العامة، وهو الذي نص عليه قاضي خان – رحمه الله – بقوله: " لا أن المواعدة قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس " (٢) .

والحاجة العامة في عقود التوريد واردة بلا شك لما قدمناه فتجعل اتفاقيات التوريد مواعدة ملزمة على الطرفين بإنشاء عقد في المستقبل، ثم يتم العقد في حينه على أساس الإيجاب والقبول، أو على أساس التعاطي والاستجرار (٣) .

وهذا هو التكييف الفقهي السليم عندي لاتفاقيات التوريد، دون أن نجعلها عقودًا باتة مضافة إلى تاريخ مستقبل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولكن لا تكون هذه المواعدة ملزمة للطرفين إلا إذا كانت الاتفاقية واضحة محددة لقدر المبيع، ومواصفاته، وثمنه، أو على أساس معلوم محدد لتحديد الثمن بما ينافي الجهالة عن المبيع وثمنه كليهما. أما إذا كانت الاتفاقية فيها جهالة في مثل هذه الأمور، فلا تعد المواعدة ملزمة.


(١) وهذا ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي في إخلاف الوعد من طرف واحد، في دورة مؤتمره الخامس بالكويت سنة ١٤٠٩ هـ) ، قرار رقم (٢، ٣) ، مجمع الفقه الإسلامي، عدد (٥) : ٢ / ١٥٩٩.
(٢) الفتاوى الخانية بهامش الهندية: ٢ / ١٦٥.
(٣) وقد درست عقود التعاطي والاستجرار في كتابي (بحوث في قضايا فقهية معاصرة) ، ص ٥٣- ٦٨ طبع دار القلم بدمشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>