للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحطاب –رحمه الله تعالى –:

" إذا تبين له أنه يصيح عليهم ثلاثة أيام للزيادة، فكل من أعطاه شيئًا لزمه الشراء على أن البائع بالخيار ما لم تنقض أيام الصياح، فلصاحب العبيد أن يلزم المشتري الشراء وإن انقضت أيام الصياح ما لم يتباعد ذلك، وقد قيل: إنه ليس للمشتري أن يرد السلعة بعد مضي أيام الخيار، فعلى هذا القول ليس له أن يلزمه الشراء بعد انقضاء أيام الصياح، ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في المجلس، ولم يشترط أن يصيح عليه أياما، لم يلزمه الشراء بعد أن ينقلب بالسلعة عن المجلس " (١) .

وقال بعد ذلك:

" فتحصل من كلام ابن رشد والمازري وابن عرفة في بيع المزايدة أن كل من زاد في السلعة، فلربها أن يلزمه إياها بما زاد، إلا أن يسترد البائع سلعته، ويبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقطع مجلس المناداة، إلا أن يكون العرف اللزوم بعد الافتراق أو يشترط ذلك البائع، فيلزم المشتري البيع بعد الافتراق في مسألة العرف بمقدار ما جرى به العرف وفي مسألة الشرط في الأيام المشروطة وبعدها بقرب ذلك على مذهب المدونة، فإن شرط المشتري أنه لا يلزم البيع إلا ما دام في المجلس فله شرط ولو كان العرف بخلافه " (٢) .

وهذه النصوص صريحة في أن المتقدم بالعطاء في المزايدة ليس له الرجوع عن إيجابه إلى أن يرسو العطاء أو تلغى المزايدة، فإن كان العرف على امتداد هذا اللزوم على المشتري حتى بعد مجلس المناداة، عمل به، إلا أن يشترط المشتري أنه لا يلزمه الشراء إلا ما دام في المجلس، فالشرط يقضي على العرف فظهر بهذا أن المالكية فرقوا بين بيوع المساومة العامة وبين المزايدات، حيث يحق للمشتري في المساومة أن يرجع عن إيجابه متى شاء قبل قبول البائع، ولا يحق له ذلك في بيوع المزايدة.

ولا شك أنه لا فرق بين المزايدة والمناقصة في هذا الموضوع، فينطبق عليها جميع أحكام المزايدة من هذه الجهة، فمقتضى القواعد العامة أنه يجوز لمن تقدم في المناقصة بعطاء أن يرجع عن إيجابه قبل رسو العطاء، ولكن مقتضى ما ذكره المالكية أنه لا يجوز له الرجوع بعد تقدمه بالعرض، وعلى هذا الأخير جرت معظم قوانين المناقصة المعاصرة، وبما أن المسألة اجتهادية، فهناك سعة بأخذ ما فيه مصلحة، ولكن الذي يظهر لي أن القول بإعطاء صاحب العرض الحق في الرجوع أعدل وأقيس، لأننا متى جعلنا عرضه إيجابًا، فلا وجه لحرمانه من الحقوق التي يستحقها الموجب في البيوع الأخرى.


(١) مواهب الجليل، للحطاب، ٤ / ٢٣٨، طبع (١٣٩٨هـ) .
(٢) المصدر السابق: ٤ / ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>