للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المعنى للضمان صحيح شرعًا بحكم الارتكاز العقلاني أولًا، وللتمسك بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ثانيًّا، إلا أن التمسك بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} التعهد والضمان، يتوقف على أن نثبت قبل ذلك بالارتكاز العقلائي - مثلا - عقدية هذا النحو من التعهد والضمان، أي كون إيجاده المعاملي متقومًا بالتزامين من الطرفين، ليحصل بذلك معنى العقد بناء على تقوم العقد بالربط بين التزامين بحيث يكون أحدهما معقودًا بالآخر " (١) .

وعلى هذا فسوف تكون عندنا قاعدة أن كل عقد عرفي قد ثبتت عقيدته عرفًا بالارتكاز العقلائي إذا كان مشتملًا على شروط صحة العقد الشرعية وخاليًّا عن موانع العقد يجب الوفاء به استنادًا إلى قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

تعريف عقود التوريد:

هو عقد بين طرفين على توريد سلعة أو مواد محددة الأوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على أقساط.

فالتوريد عقد جديد ليس بسلم ولا نسيئة، لأن السلم – كما قال مشهور الفقهاء – يتقدم فيه الثمن ويتأجل المثمن، والنسيئة يتقدم فيها ويتأخر الثمن، أما هنا فالثمن والمثمن يتأجلان (٢) .

حكم عقد التوريد:

والمهم هنا بيان حكم عقد التوريد المتداول الآن بين الدول والشركات بل أصبح ضرورة من ضرورات المعاملات، حيث إن الدولة المحتاجة إلى كمية من النفط لفصل الشتاء وتشتري هذه الكمية لا تكون مستعدة لقبولها مرة واحدة، حيث لا توجد عندها المخازن الكافية لحفظها، كما أن الدولة نفسها لا تملك تلك الكمية الهائلة من الثمن لتقدمه إلى الدولة المصدرة. وكذا الأمر في الدولة المحتاجة إلى تأمين غذاء جيشها في حالة الحرب لمدة ستة أشهر، فهي ليست بحاجة إلى الخبز الكثير مرة واحدة، بل تحتاج إلى قسم منه كل يوم، وليس لديها المال الكافي لتقديمه مرة واحدة، بل يقدم الثمن على أقساط تشابه أقساط استلام الخبز مثلًا، وهكذا صار عقد التوريد حاجة ماسة في هذا العالم.

وقد يجاب على التساؤل المتقدم اعتمادًا على التمهيد المتقدم بعد إحراز عقدية التوريد ارتكازًا عند العقلاء بشمول قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لهذا العقد الجديد، كما أن هذا العقد يطلق عليه عند العرف بأنه تجارة عن تراض من الطرفين، فيشمله قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] .


(١) البنك اللاربوي في الإسلام، للشهيد الصدر، ص ٢٣١ – ٢٣٢.
(٢) قد تجري المناقصة من أجل عقد التوريد كما قد يكون التوريد بطريق الشراء العادي المباشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>