للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن قد يقال: إن المانع من صحة عقد التوريد هو صدق بيع الدين بالدين عليه، وقد ورد النهي عن بيع الدين بالدين كما روى ذلك طلحة بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يباع الدين بالدين)) (١) .

وقد ذكرت أدلة أخرى لمنع هذه المعاملة، هي:

أ - الإجماع على عدم جواز المعاملة إذا كانت نسيئة من الطرفين.

ب - ولأنها من أبواب الربا.

ج- ولأنها شغل لذمتين (ذمة البائع وذمة المشتري) من غير فائدة (٢) .

والجواب: أما الحديث الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الدين بالدين فهو لم يصح سندًا من طريق الإمامية؛ لجهالة طلحة بن زيد في كتب الرجال (٣) .

وأما من طرق غيرهم فأيضًا لم يصح السند، كما قال الإمام أحمد " ليس في هذا الحديث يصح " (٤) .

كما أن دلالة الحديث لا تشمل " لما صار دينًا في العقد، بل المراد منه ما كان دينًا قبله، والمسلم فيه (أو المورد) من الأول لا الثاني الذي هو كبيع ماله في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو ونحوه مما كان دينًا قبل العقد " (٥) .

وأما الإجماع فهو مدركي، بمعنى أن إجماع العلماء على الحكم مدركه الرواية المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا اعتبار لهذا الإجماع، وإنما الاعتبار بالرواية، وبما أن الرواية لم يذكر لها العلماء معنى واحدًا متفقًا عليه، والقدر المتيقن منها ما كان دينًا قبل العقد، أما وقد صار دينًا بالعقد فلا تشمله الرواية، وقد ذهب بعض (السبكي) إلى أن المجمع على تحريمه هو البيع المؤجل البدل الواحد (السلم أو النسيئة) إذا زيد في أجله لقاء الزيادة في بدله (٦) .

وأما الربا في بيع الدين بالدين فهو لا يدخل في الصورة التي نحن بصددها، لأننا نتكلم عن مبادلة سلعة بنقد، فالبدلان مختلفان.

وأما شغل الذمتين من غير فائدة فهو مصادرة، إذ الفائدة في هذه الصورة – كما قدمنا – كبرى للطرفين.

وقد يستدل على بطلان عقد التوريد: بصدق (الكالئ بالكالئ) عليه الذي ورد فيه النهي فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، وقد ذكر في تفسيره ما يكون دينًا بالعقد بناء على أن الكالئ هو النسيئة فمنع من بيع النسيئة بالنسيئة وهو مورد كلامنا (عقد التوريد) ، وهذا النهي – كما يقول صاحب الجواهر وإن لم يكون موجودًا من طرق الإمامية ووجد من طرق غيرهم إلا أنه قد عمل به الأصحاب (٧) فتكون الرواية منجبرة بعمل الأصحاب، فيثبت عدم صحة عقد التوريد.


(١) وسائل الشيعة: ج ١٣، ب ١٥ من الدين والقرض، ح ١.
(٢) راجع بحث مناقصات العقود الإدارية، د. رفيق المصري عن أحكام القرآن للجصاص: ١ / ٤٨٣؛ ونظرية العقد، ص ٢٣٥، وإعلام الموقعين: ١ / ٤٠٠؛ وحاشية الشرقاوي ٢ / ٣٠؛ وغيرها.
(٣) وقد ذكر كتاب المجروحين ج ١ في ترجمة طلحة بن زيد " أنه منكر الحديث جدًا، يروي عن الثقات المقلوبات، لا يحل الاحتجاج بحديثه ".
(٤) راجع نيل الأوطار: ٥ / ١٧٧.
(٥) راجع جواهر الكلام: ٢٤ / ٢٩٣.
(٦) راجع مقالة الدكتور رفيق المصري، مناقصات العقود الإدارية، ص ٣١ عن تكملة المجموع للسبكي: ١٠: ١٠٦؛ وإعلام الموقعين: ٢ / ٩ و١١ وغيرها.
(٧) راجع جواهر الكلام: ٢٤ / ٢٩٥ نقلًا عن الجامع الصغير: ٢ / ١٩٢، طبع عبد الحميد أحمد حنفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>