للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن قد يؤخذ عليه أن آجال بيع الغائب آجال قريبة، لا تتعدى اليوم واليومين والثلاثة. ومثل هذه الآجال ألحقها بعض الفقهاء بالعدم، واعتبروها في حكم المعجلة، في بيع السلم. أما في التوريد فالآجال أبعد من ذلك بكثير: سنة أو أكثر أو أقل.

عقد التوريد وبيع ما ليس عنده:

عن حكيم بن حزام قال: " قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل، فيسألني عن البيع، ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق. فقال: ((لا تبع ما ليس عندك)) (١) .

وفي فتح الباري: " أبيعه منه، ثم أبتاعه له من السوق " (٢) .

وأحسن من رأيته شرح هذا الحديث شرحًا حسنًا هو ابن القيم (٣) . ويستفاد من كلامه أن البائع الذي يشمله النهي هو البائع الذي ليس من غرضه التجارة بالسلع، والبيع والشراء، وليس داخلًا في عمله، ولا دينًا له، ولا هو من شأنه ولا تجارته، فيبيع السلعة بثمن، ثم يشتريها بأقل، فيسلمها إلى المشتري، رغبة في العمل المضمون، ولأنه ليس تاجرًا خبيرًا بالسلع، إنما يريد شراء ذلك على مسؤولية الآمر، وغرضه أن يمنح تمويلًا، ربحه مضمون، لا مخاطرة فيه، فيدخل بهذا في النهي عن بيع ما ليس عنده، كما يدخل أيضًا في النهي عن ربح ما لم يضمن، فالتجارة المشروعة هي التجارة المعرضة للمخاطرة.

فالمورد في عقد التوريد يجب أن يكون تاجرًا شرعيًّا، معرضًا للمخاطرة، حتى لا يدخل تحت أي من النهيين المبينين آنفًا، وهذا هو الغالب في الموردين.


(١) رواه الخمسة، نيل الأوطار: ٥ / ١٧٥.
(٢) فتح الباري: ٤ / ٣٤٩.
(٣) زاد المعاد: ٥ / ٨١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>