للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد التوريد وبيع الكالئ بالكالئ تأجيل البدلين:

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ (١) . وزيد في بعض الروايات: " يعني: الدين بالدين، أو النسيئة بالنسيئة ".

واستدل بعض المفسرين بالقرآن نفسه على النهي عن بيع الدين بالدين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] . فإن قوله: (بدين) إشارة إلى امتناع الدين بالدين، ذلك أن قوله: (تداينتم) مفاعلة (مداينة) من الطرفين، وذلك يقتضي وجود الدين من الجهتين (الطرفين) فلما قال: (بدين) علم أنه دين واحد من الجهتين (٢) .

لكن هذا يرد عليه بأن مقصود الآية هو كتابة الدين، بغض النظر عن كونه دينًا واحدًا أو دينين. كما أن لفظ المداينة صحيح أنه مشاركة من طرفين، غير أن معناه أن أحدهما دائن والآخر مدين، فكلاهما اشترك في المداينة، ولولاهما لما انعقدت، وذلك كالمضاربة (المقارضة، القراض) ففيها مضارب ومضارب، وكالمرابحة والمرابحة والمغارسة والمبايعة (٣) .

وما ذكره الزمخشري (٤) أفضل، " إذ بين لماذا قيل: {تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولم يحذف لفظ: (الدين) ، فقال: ليرجع الضمير إليه، في قوله: {فَاكْتُبُوهُ} ، فإذ لو لم يذكر لوجب أن يقال: فاكتبوا الدين، فلم يكن النظم بذلك الحسن ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال ".

ذكر بعض العلماء أن المتبايعين لو تبايعا على أن يسلم البائع المبيع مؤجلًا، ويسلم المشتري الثمن مؤجلًا، لكان هذا من بيع الكالئ بالكالئ، فإنه بيع سلم لا يعجل فيه المشتري الثمن بل يتأجل فيه البدلان (٥) ، وهذا ما يسميه المالكية: ابتداء الدين بالدين. ذكر ابن رشد أن كل معاملة وجدت بين اثنين، وكانت نسيئة من الطرفين، فلا تجوز بإجماع، لأنها من الدين بالدين المنهي عنه (٦) .


(١) سنن الدارقطني: ٣ / ٧١ – ٧٢؛ والمستدرك: ٢ / ٥٧، وصححه على شرط مسلم، قال الإمام أحمد: ليس في هذا حديث يصح، لكن إجماع الناس عليه؛ نيل الأوطار: ٥ / ١٧٧.
(٢) تفسير الرازي: ٧ / ١٠٩؛ والجصاص: ١ / ٤٨٣؛ والبرهان للزركشي: ٢ / ٣٩٨ – ٣٩٩.
(٣) قارن تفسير أبي حيان: ٢ / ٣٤٢.
(٤) الكشاف: ١ / ٤٠٢.
(٥) تفسير الجصاص: ١ / ٤٨٣؛ والأم: ٣ / ٨٧؛ والمجموع: ٩ / ٤٠٠؛ ووتكملة المجموع: ١٠ / ١٠٧؛ والقياس لابن تيمية، ص ١٦؛ والغرر للضرير، ص ٣١٢؛ وبيع الكالئ لحماد، ص ١٤.
(٦) بداية المجتهد: ٢ / ١٠٤، ١٢٢، ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>