للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فإن طروحات الحياة المعاصرة وما قفزت إليه أنظمة التعامل من خلال الأنظمة الغربية أصبح في أمس الحاجة بأن يعرف له الحكم الشرعي من الناحية الإسلامية. والواقع أن كلًا من عقد التوريد وعقد المناقصة إنما هما جديدان كل الجدة، ولا إشكال في الوصول إلى تكييف كل منهما على أسس شرعية واضحة. لذا أستغرب من خلال الأوراق التي تقدم بها السادة الأخوة الكرام أن بعض الناس لا يجيزون هذه التصرفات أو الاتفاقات إما بحجة وجود الربا فيها، أو كونها بيع الكالئ بالكالئ، أو بيع شيء غير موجود، أو بيع معدوم، ويطيلون في سرد هذه الأدلة لهؤلاء وهم في الواقع بعيدون كل البعد عن الصواب وعن إدراك حقيقة هذه العقود. لذلك فإننا من باب التيسير والتسهيل والوصول إلى المراد من أقرب الطرق أقول: إن عقد التوريد والمناقصات إنما تنظمها وتعرضها الأعراف المعاصرة الآن، ولا أجد أي إشكال في جواز هذين الأمرين لأنه لا يتحقق لا غبن ولا إضرار ولا إشكالات وكل ذلك يتم بالتراضي والاتفاق الشامل لجميع جزئيات كل من هذين الموضوعين، فما يتعلق بعقد التوريد، هو في الواقع مجرد اتفاق أولى بين الجهة المستفيدة والجهة المقدمة لهذه الخدمات. فهو اتفاق ينقلب في نهاية الأمر إلى عقود فردية متكررة، كلما تقدم المورد بصفقة معينة يقدم فاتورة المبيعات ويذكر الثمن ثم تأتي الجهة التي تستفيد من هذا التنفيذ بإقرار هذا العمل وتدفع له الثمن على هذه الصفقة التي قدمها، فإذن هناك عدة عقود انفرادية من خلال اتفاق شامل وهو الذي تسميه القوانين (عقود التوريد) والأدق أن يقال له: (اتفاق التوريد) . فإذن ينقلب الأمر من اتفاق إلى عقد عند التنفيذ وحينئذ تظهر مزية هذه العقود من الناحية الشرعية. ولا مانع من إقرار عقد التوريد عند التنفيذ وليس على الاتفاق برمته وذلك من خلال جعل عقد التوريد ليس مجرد إلزام أو مواعدة ملزمة للطرفين فهذا يمكن أن يقال عن الاتفاق العام لتسوية هذا الموضوع بين الطرفين المتفقين، والاتفاق أعم من العقد فهو يشمل العقد ويشمل التصرف ويشمل غير ذلك فالواقع عقد التوريد ينطبق عليه تمامًا ما أسماه فقهاء الحنفية بأن (بيع الاستجرار) وهو مطبق.

الآن أغلب الموظفين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن السلعة على الفور يتفقون مع البقاليات ومع الجزارين ومع باعة الخضار والفواكه في أن يقدم لهم يوميًّا أو في كل فترة زمنية أشياء معينة وفي نهاية الشهر يتم الحساب، فالقضية ليست قضية أن المبيع مجهول أو أن الثمن مجهول وإنما الجهالة تزول في الواقع بالمواصفات، فهو بيع شيء موصوف وهناك مواصفات معينة دقيقة للأمور التي يقدمها المورد من خلال الاتفاق العام والإطار العام الذي تم مع هذه الجهة، فإذن هو في النتيجة ينقلب من اتفاق إلى بيع مفصل ودقيق وهو ما قرره الحنفية بأنه (بيع الاستجرار) ولا حاجة للدخول في تعقيدات كثيرة على الرغم من أنني أقدر البحث العظيم والمعمق لفضيلة الشيخ محمد تقي العثماني لكن هذه الدوشة التي أدخلنا فيها فإننا نجد أن المتعاملين يريدون الأمور مبسطة أكثر من هذا التعقيد الذي نجده في الساحة الفقهية، فإذن عقد التوريد هو في الواقع بيع من البيوع المتعارف عليها والمتفق على مضمونها ولا إشكال فيه من الناحية الشرعية وقرره الفقهاء تحت ستار ما يسمى ببيع الاستجرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>