بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله والطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
إن مشكلة عقود التوريد عبارة عن وقوع العقد الملزم مع تأجيل العرضين سواء كانت السلعة موجودة في الخارج أو غير موجودة , وإنما أصبحت هذه المشكلة لأن البيع الموجود المتعارف في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده هو إما بيع نقد يجب فيه تسليم الثمن والمثمن بعد العقد مباشرة، أو بيع نسيئة يسلم فيه المثمن ويبقى الثمن في ذمة المشتري، أو بيع سلم فيسلم الثمن ويبقى المثمن مؤجلا كليا في ذمة البائع.أما البيع الذي لا توجد فيه هذه المواصفات فليس هو بيع نقد ولا نسيئة ولا سلم بل العوضان فيه مؤجلان ويكون عقدا ملزما فهل هو بيع صحيح وشرعي؟ هذا هو ما يراد بحثه هنا.
ذهب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان إلى اندراج قسم منه في بيع الصفة، بيع الشيء الغائب، وقسم منه يندرج تحت بيع الدين بالدين وقد ذكره آخر البحث.
أما اندراج عقد التوريد تحت بيع الصفة فقد لا أراه صوابا وذلك لأن بيع الصفة إذا كان المراد به هو بيع الموصوف – بيع الشيء الغائب – عند من يقول به إنما يصح في صورتين:
الصورة الأولى: إذا وقع البيع على عين خارجية شخصية إما نقدا أو نسيئة فيما إذا كان البائع مالكا للسلعة الخارجية. فالبيع النقدي قد يحصل فيه تسليم الثمن والمثمن في مجلس العقد، وقد يتأخر فيه تسليم الثمن والمثمن، ولكن تأخير تسليم الثمن والمثمن لا يضر بصحة العقد الحال. وحينئذ إذا وقع البيع على عين موصوفة غائبة وحصل القبول فقد تم العقد إلا أن المشتري قد لا يسلم الثمن إلا بعد رؤية العين واستلامها كما وصفت له. كما أن البائع قد لا يسلم المبيع إلا بعد أن يستلم الثمن وهذا شيء آخر غير كون العقد حالا. ومما يؤيد أن بيع الصفة هو في مبيع العين الخارجية الشخصية المملوكة للبائع هو ثبوت خيار الرؤية للمشتري كما ذكر ذلك الفقهاء قاطبة، فيثبت الخيار عند الرؤية إذا رأى المشتري ما اشتراه مخالفا للوصف الذي وصف له، بينما إذا كان المبيع كليا في الذمة وقد سلم على خلاف الوصف فلا خيار للمشتري في فسخ البيع بل له المطالبة بالتسليم الكلي الذي وصف له بتطبيقه على فرد آخر واجد للأوصاف. إذن ليس من الصحيح استدلال الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان على تأجيل الثمن في بيع العين الغائبة بنصوص الفقهاء الذين يقولون في المبيع الغائب بأن للمشتري أن يمتنع عن التسليم حتى يحضر المبيع الغائب , فإن هذا ليس تأجيلا للثمن في العقد، كما أنه ليس تأجيلا للمثمن بل البيع حال ولكن التسليم والتسلم يتوقف على إحضار المثمن وتسلمه ليتم تسليم الثمن أو يحصل التسليم والتسلم في وقت واحد.