للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن البيع النقدي ينسجم مع الامتناع عن إعطاء الثمن إلا أن يتسلم المثمن، كما أن البائع قد يمتنع عن تسليم المثمن حتى يتسلم الثمن. فإن التسليم والتسلم بالثمن والمثمن يكون عادة بعد تمامية العقد في العقود النقدية، إذ تمامية العقد إنما تكون بتمامية الإيجاب والقبول، أما التسليم والتسلم فهي مرحلة متأخرة عن تمامية العقد.

إذن بيع الصفة على العين الخارجية قد يتأجل فيه العوضان عن مجلس العقد، وهو بيع صحيح بخلاف عقود التوريد الذي يكون فيها تأجيل الثمن والمثمن في متن العقد، فلا يصح الاستدلال بالأول على الثاني كما هو واضح.

أما الصورة الثانية التي يصح فيها بيع الصفة – بيع الموصوف – فهو البيع الكلي الموصوف فيما إذا كان البيع ليس واقعًا على عين خارجية مملوكة. وهذا البيع الكلي للموصوف وإن كان يتأجل فيه المثمن في متن العقد إلا أن الثمن يجب أن يكون معجلًا وهو بيع السلم أو السلف الذي ذهب إليه الجل لا الكل إلى اشتراط تقديم الثمن حتى يصح بينما عقود التوريد فالعوضان مؤجلان في متن العقد، فهذه هي المشكلة التي نحن بصدد أن نوجد لها حلًا شرعيًّا، فعقد التوريد سواء كان على عين خارجية موصوفة لأنها غائبة أو كانت على عين كلية موصوفة يختلف اختلافًا أساسيًّا وموضوعيًّا عن بيع الصفة سواء كان على عين خارجية أو كلي موصوف في الذمة.

إذن نصوص الفقهاء التي أتعب الدكتور أبو سليمان نفسه في سردها واستدل بها على صحة عقود التوريد لا تنفعه أصلًا لأنها في غير عقد التوريد الذي يتأجل فيه العوضان في متن العقد بل هي في بيع الصفة للعين الشخصية وهنا يتأخر تسليم الثمن ويتأخر تسليم المثمن عن مجلس العقد أيضًا. على أن الاستدلال بنصوص الفقهاء، قد لا يكون لوحده كافيًّا في المطلوب.

إذن عقد التوريد عقد جديد يتأجل فيه العوضان في متن العقد وهو يختلف عن بيع الصفة فإن وجدت عمومات قرآنية تصححه مثل: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أو {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أو {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} بناء على أن هذه النصوص وردت على نحو القضية الحقيقية التي تشمل كل عقد يوجد بعد زمن التشريع كما هو الصحيح أن عمومات القرآن وردت على نحو القضايا الحقيقية لا الشخصية، فحينئذ ينحصر البحث عن المانع عن صحته كالنهي الوارد عن بيع الدين بالدين، أو النهي الوارد عن بيع الكالئ بالكالئ. فلابد إذن لمن يريد أن يصحح هذه العقود من مناقشة هذه النصوص بمثل عدم شمولها لما نحن فيه بناء على تفسير النهي عن بيع الدين بالدين بما إذا كان الدينان قبل البيع لا فيما إذا حصلا بالعقد، أو تناقش النصوص الناهية بعد صحة إسنادها كما ذكر ذلك البعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>