إذن لا يصح جعل المانع من صحة عقود التوريد هو اشتماله على الربا أو الغرر فقط، كما فعل الدكتور أبو سليمان في بحثه المقدم، لأننا حينما نتكلم في صحة عقد التوريد نبحث عن دليل على صحته بعد افتراض وجود الأركان والشروط المعتبرة في صحة العقد. كما لا أرى من الصحة جعل الحاجة والضرورة إلى عقد التوريد دليلًا لصحته لأن الحاجة والضرورة إنما تصحح العقد – لو قلنا بها – في صورة استثنائية ويكون الحكم ثانويًّا مقيدًا بها وهو أخص من محل الكلام.
بالنسبة للقاضي العثماني – حفظه الله – ينحصر كلامنا في أمور: الأمر الأول الذي ذكره قال: إن محل التوريد إذا لم يكن شيئًا يحتاج إلى صنعة – وهو محل البحث في هذا الموضوع – يتأتى في الإشكال من جهات أربع:
الإشكال الأول: قال: " وهو عقد مضاف إلى المستقبل ومنعه جمهور الفقهاء ".
أقول: ليس عقد التوريد عقدًا يضاف إلى المستقبل، أي ليس عقداً معلقًا، بل هو عقد ناجز إذا قد ملك كل من المتعاملين شيئًا في ذمة الآخر عند تمامية الإيجاب والقبول. أما المراد من العقد المضاف إلى المستقبل - أي العقد المعلق - فهو عبارة عن كون التمليك معلقًا ونفس التمليك مضافًا إلى المستقبل، هذا الذي منعه جمهور الفقهاء لا ما نحن فيه، الذي يكون التمليك فيه منجزًا، فكل من الطرفين يملك ما في ذمة الآخر عند تمامية العقد.
الإشكال الثاني: وقال فيه: إن عقد التوريد عقد يتأجل فيه البدلان فيصير بيع الكالئ بالكالئ، وقد ورد في منعه حديث عمل به جمهور الفقهاء.
نعم، هذا هو الإشكال الوحيد في الباب وهو إشكال يحتاج إلى جواب علمي ويستحق البحث.
الإشكال الثالث: الذي ذكره قال: إن محل التوريد في كثير من الأحوال لا يملكه البائع عند العقد فيصير بيعًا بما لا يملكه الإنسان وهو ممنوع بنص الحديث.
طبعًا هذا الإشكال إنما يكون صحيحًا فيما إذا وقع عقد التوريد على بيع عين شخصية خارجية غير مملوكة للبائع كما في حديث حكيم بن حزام، أما إذا كان محل التوريد كليًّا في الذمة فلا نهي ولا منع عنه.
والإشكال الرابع الذي ذكره قال: عن محل التوريد قد يكون معدومًا فيصير بيعًا للمعدوم، وقد منعه جمهور الفقهاء.
أقول: إن محل التوريد لا بأس أن يكون معدومًا بشرط أن يبيع البائع ما في ذمته موصوفًا بصفات معينة ومحددة كما هو وارد في بيع السلم، بيع السلم هو بيع المعدوم.
إذن الإشكال الوحيد في بيع التوريد هو صدق بيع الكالئ بالكالئ عليه والذي ورد في منعه حديث عمل به الجمهور.