للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتحديد سن الرشد بسن معين إنما ينظر فيه إلى السن التي يصل فيها أواسط الناس وغالبيتهم إلى قدر معقول من الإدراك يعينهم على وزن التصرفات بروية وأناة وعلى تقدير تبعاتها في غير هوى وطيش، ولكن القاعدة التي تحدد هذه السن تكتفي بذكر النتيجة دون أن تشير فيها إلى العلة التي اقتضتها، وهي لا تقبل فيها إثباتا للعكس، فلا تقبل أن يقوم الدليل على أن الخصم، في واقعة محددة، قد رشد فعلا ونضج قبل هذه السن.

ومن ثم فإنها وإن اتفقت مع القرائن في أن الغالب الراجح له شأن معها، إلا أن هذا الشأن يطويه تاريخها فلا يظهر له أثر في تطبيقها، أما القرائن فالغالب الراجح له أثره الخطير في إعمالها، ويترتب على ذلك أن القاعدة الموضوعية لا تقبل إثبات أن الحالة المعروضة هي من الحالات النادرة التي يتخلف فيها الغالب الراجح، كما أنها لا تقبل النقض بالإقرار واليمين، لأنها ليست من قواعد الإثبات، حتى يعتبر الإقرار واليمين تنازلا ممن شرعت لمصلحته عن الإعفاء من الإثبات، بخلاف القرينة- حتى القاطعة منها- فإنها لا تخرج عن كونها من قواعد الإثبات، وبالتالي فإن الإقرار واليمين ينقضها (١) .

وتطبيقا على ذلك فقد أوضح فقهاء الشريعة الإسلامية القواعد الشرعية الموضوعية التي تحكم أهلية الأداء، وقالوا إن مرحلة انعدام الإدراك بولادة الصبي وتنتهي ببلوغ السابعة، وإن التمييز وإن لم يكن له سن معينة يظهر فيها أو يتكامل بتمامها، إلا أنه يتعين ربطها بالسنوات حتى يكون الحكم واحدا للجميع، ويسهل التعرف على التمييز لارتباطه بوصف محسوس يسهل ضبطه فلا تضطرب الأحكام: فالصبي يعتبر غير مميز مادام لم يبلغ سنه سبع سنوات ولو كان أكثر تمييزا ممن بلغ هذه السن، لأن الحكم للغالب وليس الأفراد (٢) .


(١) الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الوسيط الجزء الثاني- مرجع سابق، ص٣٢٦، ٦١٩، ٦٢٢، ٧٨٢. الدكتور محمد عوض المر- المرجع السابق، ص٤٤ وما بعدها. الدكتور عطية علي عطية مهنا- المرجع السابق، ص١٣٣- ١٣٤.
(٢) الأستاذ عبد القادر عودة المرجع السابق- الجزء الأول، ص٦١٠ بند ٤٣١ وقارن الدكتور عبد الحافط عبد الهادي عابد- الإثبات الجنائي بالقرائن رسالة دكتوراه- دار النهضة العربية، ص١٢٠ حيث أشار إلى أن تحديد سن الرشد هو قرينة قانونية قاطعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>