للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢١- وإذا كان المشرع هو وحده الذي يستقل بتقدير الاعتبارات التي تقتضي وضع القرائن الشرعية، القاطعة منها وغير القاطعة، إلا أنه قد يكون من المفيد أن نستعرض بعضا من هذه الاعتبارات لإلقاء الضوء على ما قد يعتبر منهجا للمشرع الحكيم:

فبعض هذه القرائن يكون تجاوبا مع المصلحة العامة، كتلك التي تهدف إلى استقرار المعاملات وحسم المنازعات من أمثال قرينة قوة الشيء المحكوم فيه التي تقتضي- في حدود معينة نص عليها الفقه الإسلامي- بعدم سماع الدعوى عن ذات النزاع مرة أخرى (١)

وقد يهدف إنشاء القرينة إلى الوقوف في وجه التحايل على بعض الأحكام الشرعية كالأحكام الخاصة بتوزيع التركة وتحديد الورثة وأنصابهم، التي تحميها قرينة تقضي بأن كل التبرعات المنجزة كالهبة المقبوضة والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال، إن كانت في مرض مخوف اتصل بالموت، فهي وصية تخرج من الثلث (٢) .

وقد يتغيا المشرع من القرينة الشرعية مصالح الأفراد، كما لو كانت تمس منطقة يتعذر فيها الإثبات مع توقف مصالح خطيرة للأفراد عليها، وذلك كما في قرينة (الولد للفراش) ، فهي تستند إلى أمور خفية قد لا يتيسر إثباتها مع مساسها بمصالح خطيرة يتعرض لها الولد إن لم تطبق في شأنه هذه القرينة.

ومن ذلك أيضا ما يراه الحنابلة من اعتبار المفقود ميتا بعد مضي أربع سنوات من فقده في ظروف يغلب فيها الهلاك، كمن يفقد في قتال أو غرق مركب ولم يمكن الوقوف على حاله، ففي مثل ذلك قد يتعذر إثبات الوفاة الحقيقية مما تتعطل معه مصالح عديدة للمفقود وزوجه وأولاده وبعض أقربائه.


(١) الشيخ أحمد بن إبراهيم- مرجع سابق، ص٤٢٩- ٤٣٠. الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري- الوسيط المرجع السابق الجزء الثاني، ص٦٤٠ هامش رقم ٣.
(٢) موفق الدين ابن قدامة- المغني (المطبوع مع الشرح الكبير) دار الكتاب العربي سنة (١٤٠٣هـ/ ١٩٨٣م) : (٦/٤٩١) . أبو بكر بن مسعود الكاساني- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع مطبعة الجمالية- الطبعة الأولى ت سنة (١٩١٠م) : (٧/٢٢٤- ٢٢٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>