للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٤- وإذا كان من واجب القاضي في استنباطه للقرائن القضائية أن يرعى التناسق بين الأدلة في الدعوى دون قيود شرعية محددة، على نحو ما سبق بيانه، فإن قبوله للدليل المثبت لعكس القرينة الشرعية غير مقيد- هو الآخر- بقيود خاصة، ما لم يقيده المشرع في ذلك، فهذا أو ذاك يستمد أصوله من مبدأ حرية القاضي في الاقتناع وسلطته في أن يمنح كل دليل القوة الموائمة له في حدود ما فرضه الشارع من قواعد.

ففي القرينة المستفادة من موت المفقود بموت أقرانه- على نحو ما يراه الحنفية، يجوز للقاضي أن يقبل إثبات عكس هذه القرينة بأي دليل يؤكد حياة المفقود مع موت أقرانه، ذلك لأن المفقود كانت حياته متيقنة عند فقده، فتظل معتبرة كذلك باستصحاب الحال، إلى أن يقوم الدليل على موته، (فإذا لم يظهر خبره، فظاهر المذهب أنه إذا لم يبق أحد من أقرانه حيا، فإنه يحكم بموته، لأن ما تقع الحاجة إلى معرفته فطريقه في الشرع الرجوع إلى أمثاله كقيم المتلفات ومهر النساء، وبقاؤه بعد موت جميع أقرانه نادر، وبناء الأحكام الشرعية على الظاهر دون النادر) (١)

فحياة المفقود ثابتة بالاستصحاب، وهو كما يقول الأصوليون: آخر مدار الفتوى، فيقوى على إثبات عكسه أي دليل آخر يناقضه.

وعلى خلاف ذلك أمر قرينة (الولد للفراش) ، فإن المشرع لم يجز إثبات عكسها إلا بوسيلة واحدة هي اللعان، وبذلك لا يجوز للقاضي أن يقبل غيرها في هذا الصدد.

ومثل ذلك أيضا ما جاء في الأشباه والنظائر (ص١١٩) في شأن قرينة قوة الأمر المقضي من أن (المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه ولا بينته إلا إذا ادعى تلقي الملك من المدعي أو ادعى النتاج أو برهن على إبطال القضاء ... والدفع بعد القضاء بواحد مما ذكر صحيح وينقض القضاء، فكما يسمع الدفع قبله يسمع بعده ولكن بهذه الثلاثة) (٢) .


(١) أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي- المبسوط- دار المعرفة- بيروت سنة (١٤١٤هـ/ ١٩٩٣م) الجزء الحادي عشر، ص٣٥.
(٢) أورد هذا المثال وناقشه الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري في الوسيط المرجع السابق: (٢/٦٤٠) هامش ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>