والمتتبع لثنايا أقوال الجمهور في رفضهم الأخذ بالقرائن في الحدود، يجد أنها تستند إلى حجة راجحة، ذلك لأنه في الحالات التي يقول بها المالكية وأمثالها، يتطرق الاحتمال إليها، مما لا يمكن معه القطع في دلالتها، فالحمل قد يكون بسبب آخر غير الزنى لا تعرفه المرأة أو لا تريد أن تفصح عنه، والرائحة التي تنبعث من الفم قد تكون للشراب أو طعام آخر له مثل رائحة الخمر، وإذا كانت لها فقد يكون مكرها أو لم يعلم أنها مسكر، وما دامت الشبهة قائمة لم تحسمها القرينة فلا يجوز توقيع الحد، عملا بما رواه الترمذي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:((ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)) ، وهو حديث وإن كان فيه مقال، إلا أنه روي من طرق أخرى تعضده، وقد روي موقوفا ومرفوعا وتلقاه العلماء بالقبول (١) .
(١) محمد بن على بن محمد (الشوكاني) - نيل الأوطار- طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة: (٧/١١٨) . - وقد أخرج الحديث ابن ماجة من حديث أبي هريرة، وأخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي من حديث عائشة وأخرجه البيهقي أيضا عن عمر وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل موقوفا وأخرجه من حديث علي مرفوعا ادرؤوا الحدود فقط وأخرجه الطبراني موقوفا (الأشباه والنظائر للسيوطي طبعة مصطفى البابي الحلبي سنة (١٩٥٩م) ، ص١٢٢) .