للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الأولى

الكساد العام للنقد

١٠- وذلك بأن توقف الجهة المصدرة للنقد التعامل به، فتترك المعاملة به في جميع البلاد، وهو ما يسميه الفقهاء بـ "كساد النقد" (١) .

ففي هذه الحالة: لو اشترى شخص سلعة ما بنقد محدد معلوم، ثم كسد ذلك النقد قبل الوفاء، أو استدان نقدًا معلومًا ثم كسد قبل الأداء، أو وجب في ذمته المهر المؤجل من نقد محدد، ثم كسد قبل حلوله، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:

١١- القول الأول: لأبي حنيفة، وهو أن النقد الذي كسد إذا كان ثمنًا في بيع، فإنه يفسد العقد، ويجب الفسخ مادام ممكنًا؛ لأنه بالكساد خرج عن كونه ثمنًا؛ لأن ثمنيته ثبتت بالاصطلاح، فإذا ترك الناس التعامل به، فإنها تزول عنه صفة الثمنية، فيبقى المبيع بلا ثمن، فيفسد البيع.

أما إذا كان دينًا في قرض أو مهرًا مؤجلاً، فيجب رد مثله ولو كان كاسدًا، لأنه هو الثابت في الذمة لا غيره (٢) .

وحجة أبي حنيفة كما حكى الزيلعي في "تبيين الحقائق": "أن القرض إعارة، وموجبها رد العين معنى، وذلك يتحقق برد مثله – ولو صار كاسدًا – لأن الثمنية زيادة فيه، حيث إن صحة القرض لا تعتمد الثمنية، بل تعتمد المثل، وبالكساد لم يخرج من أن يكون مثلاً. ولهذا صح استقراضه بعد الكساد، وصح استقراض ما ليس بثمن كالجوز والبيض والمكيل والموزون وإن لم يكن ثمنًا، ولولا أنه إعارة في المعنى لما صح؛ لأنه يكون مبادلة الجنس بالجنس نسيئة، وأنه حرام. فصار المردود عين المقبوض حكمًا، فلا يشترط فيه الرواج، كرد العين المغصوبة، والقرض كالغصب، إذ هو مضمون بمثله" (٣) .

وقد جاء في "بدائع الصنائع": "ولو اشترى بفلوس نافقة، ثم كسدت قبل القبض انفسخ عند أبي حنيفة، وعلى المشتري رد المبيع إن كان قائمًا، وقيمته (٤) أو مثله (٥) إن كان هالكًا" (٦) .


(١) الكساد في اللغة: من كسد الشيء يكسد – من باب قتل -: لم ينفق لقلة الرغبات، فهو كاسد وكسيد. ويتعدى بالهمزة، فيقال: "أكسده الله". وكسدت السوق، فهي كاسد- بغير هاء – في الصحاح، وبهاء في التهذيب، ويقال: أصل الكساد الفساد (المصباح المنير: ٢/٦٤٤) . أما الكساد في اصطلاح الفقهاء: "فهو أن يبطل التداول بنوع من العملة، ويسقط رواجها في البلاد كافة" (شرح المجلة لعلي حيدر: ١/١٠٨، تبيين الحقائق: ٤/١٤٣، تنبيه الرقود: ٢/٦٠.
(٢) الفتاوى الهندية: ٣/٢٢٥، بدائع الصنائع: ٧/٣٢٤٤ وما بعدها، تبيين الحقائق: ٤/١٤٢، درر الحكام شرح مجلة الأحكام: ٣/٩٤.
(٣) تبيين الحقائق: ٤/١٤٤.
(٤) أي أن كان قيميًا. (الزيلعي: ٤/١٤٢) .
(٥) أي أن كان مثليًا. (الزيلعي: ٤/١٤٢) .
(٦) بدائع الصنائع: ٧/٣٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>