للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآية الكريمة تفيد بأن أخوة يوسف عليهم السلام علقوا الجزاء على ما تثبت به التهمة، فحين سئلوا عن جزاء من تثبت السرقة في حقه..ردوا بأن جزاءه كجزائه عندنا وهو أن يؤخذ رقيقا (١) . كما علقوا هذا الجزاء على ثبوت التهمة، وثبوت التهمة يكون بوجود الصواع داخل الرحل، لأن وجوده في الرحل قرينة وعلامة على أن السارق هو الذي أخفاه في رحله..وهذا دليل على مشروعية العمل بالقرائن.

٤- قال الله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: ٨١] .

فهذه الأدلة المستفادة من القرآن الكريم تفيد العمل بالقرائن واعتبارها حجة يعمل بها ودليلا من أدلة الإثبات التي يعتمد عليها، ويبني عليها القاضي حكمه.

أما السنة فأحاديث متعددة منها على سبيل المثال:

١- ما رواه البخاري ومسلم (٢) أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء تداعيا قتل أبي جهل يوم بدر. فقال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم ((هل مسحتما سيفكما..؟)) قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال ((كلاكما قتله)) ، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح.

فنظره صلى الله عليه وسلم في السيفين إنما هو ليرجح القاتل بما يراه من أثر الطعان، وصبغ الدم وإنما خص أحدهما بسلبه.. حيث أنه بفحص السيفين ترجح عنده أن صاحب هذا السيف هو الذي قتله، لأن سيفه أنفذ من سيف الآخر وعليه يكون قوله كلاهما قتله تطيبا لنفس الآخر من حيث إن له بعض المشاركة.. وبذلك يثبت جواز الاعتماد على القرائن في الحكم بين الناس حيث دل الدم على السيفين بأنهما اشتركا في قتله وإنما خص معاذ بن الجموح بالسلب، لأن سيفه كان أعمق في جسم أبي جهل بدليل الدم الزائد. فالنبي صلى الله عليه وسلم عمل بالقرينة هنا وهو أن غور سيف أحدهما أكثر من الآخر قرينة على أنه القاتل، لأن سيفه أنفذ وهو الذي يتحقق به القتل غالبا.


(١) تفسير الطبري: ١٣/١٣؛ أحكام القرآن للجصاص: ١٣/٣٩١، لأنه كان من عادتهم أن يسترقوا السارق.
(٢) انظر صحيح البخاري، وصحيح مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>