واعترض على هذا الاستدلال بأننا لا نسلم بأن الرسول لم يعمل بالقرائن في جميع الأحوال بل استبعدها هنا ولم يحكم بها، لأنها كانت ضعيفة وليست بالقوية التي يحتج بها، وبما أنها قرينة ضعيفة فتكون شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، وشتان ما بين أنه استبعد قرينة ضعيفة وبين أنه لم يعمل بها.
وإن سلمنا بجواز الاستدلال بالحديث فهذا خاص بإثبات الزنا دون بقية المعاملات فيجوز الاحتجاج بالقرائن فيما عدا الحدود، لأن طبيعة الحدود أنها تسقط بالشبهة، أما المعاملات وغيرها فلا يطبق عليها هذا المبدأ.
وأما المعقول: فقالوا بأن القرائن ليست مطردة ولا منضبطة لاختلافها قوة وضعفا، ومن كان على هذا الشكل لا يصح الاحتجاج به.
كما أن القرائن قد تبدو قوية ثم يعتريها الضعف.
وكذلك فإنها تقوم على الظن والتخمين، والظن ليس دليلا، والقرآن ندد باتباع الظن فقال تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}[النجم:٢٣] ، وقال تعالى:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم:٢٨] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) (١) .
الرأي الراجح:
بعد استعراض أدلة القائلين بحجية القرائن، وأدلة المانعين يظهر لنا بكل جلاء ووضوح بأن الرأي القائل بحجية القرائن، والعمل بها وأنها طريق من طرق الإثبات هو الرأي الراجح الذي تطمئن إليه النفس، ويرتاح له الضمير، ويشعر الإنسان معه بالاطمئنان حيث يستطيع بها إقامة العدل بين الناس وإيصال الحقوق إلى أصحابها، وذلك لما يلي:
١- إن أدلة المانعين أدلة ضعيفة واهية لا تصلح للاستدلال، بخلاف أدلة القائلين بالحجية فإنها أدلة قوية، ولم يوجه إليها من النقد ما يوهنها أو يضعف شأنها.
٢- أن القول بحجية القرائن هو الأرجح حتى لا تضيع الحقوق ويتمادى المعتدون في سلبها، وبذلك يتفشى الظلم وييأس الناس من أخذ حقوقهم أو رد الظلم الواقع عليهم.