وقد أولى الشارع الحكيم هذه الحدود عناية لما تنطوي عليه جرائمها من الآثار الاجتماعية الخطيرة، حيث إن تفشيها في المجتمع يعني انحلاله واضطراب كيانه، وأن في اقترافها تفويتا للمصالح الضرورية الخمس التي قصد الشارع المحافظة عليها.
يقول الغزالي:(إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، وأنفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة ... وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح، ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، فإن هذا يفوت على الخلق دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص، إذ به حفظ النفوس، وإيجاب حد الشرب، إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حد الزنا إذ به حفظ النسب والأنساب، وإيجاب زجر النصاب والسراق، إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي معايش وهم مضطرون إليها، وتحريم تفويت هذه الأمور الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق)(١) .
ولما كانت للحدود هذه الأهمية في حفظ المصالح الضرورية للمجتمع، وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال- نص المشرع الحكيم على عقوبتها، وجعلها في أغلب الأحوال عقوبة صارمة مشددة قد تصل إلى القتل أو إلى قطع عضو معين من الجسم، حتى تكون العقوبة سبيلا لردع من تسول له نفسه هتك الأعراض أو تقويض دعائم الفضيلة أو تفويت شيء من مقاصد الله ومصالح الخلق.
(١) المستصفى للغزالي: ١/٢٨٧؛ وانظر أيضا الموافقات للشاطبي: ٢/٥٠٤.